كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي (اسم الجزء: 1)

الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} 1.
فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية أن من أنفق من قبل الفتح وقاتل أعظم درجة وأعلى منزلة ممن أنفق بعد ذلك ثم وعد ـ سبحانه ـ الجميع بعد ذلك بالحسنى: أي: المنفقين قبل الفتح وبعده وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء والحسنى هي الجنة.
وقد اختلف المفسرون في المقصود: "بالفتح" في هذه الآية: فقال بعضهم: معناه لا يستوي منكم أيها الناس من آمن قبل فتح مكة وهاجر.
وقال مجاهد2: في قوله: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} قال: آمن فأنفق يقول: من هاجر ليس كمن لم يهاجر.
وقال آخرون: عنى بالفتح فتح مكة، وبالنفقة: النفقة في جهاد المشركين قال قتادة: كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر، وكانت نفقتان إحداهما أفضل من الأخرى كانت النفقة والقتال من قبل الفتح "فتح مكة" أفضل من النفقة والقتال بعد ذلك.
وقال آخرون: عنى بالفتح في هذا الموضع صلح الحديبية. والقائلون بهذا استدلوا عليه بما أخرجه ابن جرير الطبري بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية: "يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم" قلنا: من هم يا رسول الله أقريش هم؟ قال: لا ولكن أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوباً" فقلنا: هم خير منا يا رسول الله فقال: لو كان
__________
1ـ سورة الحديد آية/10.
2ـ هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي مولى بني مخزوم تابعي مفسر من أهل مكة أخذ التفسير عن ابن عباس قرأه عليه ثلاث مرات، ولد سنة إحدى وعشرين وتوفي سنة أربعة ومائة هجرية، انظر: ترجمته في طبقات ابن سعد 5/466، حلية الأولياء 3/279، سير أعلام النبلاء 4/449-457.

الصفحة 133