كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي (اسم الجزء: 1)

4- قال تعالى في ثنائه عليهم بالأخلاق الفاضلة النبيلة التي اتسموا بها: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1.
فهذه الآية اشتملت على الثناء الحسن على أنصار الإسلام وكتيبة الإيمان بحبهم لإخوانهم المهاجرين، وطهارة أنفسهم من الحسد لهم على منَّ الله به عليهم من شرف الهجرة وإيثارهم لهم على أنفسهم بمواساتهم لهم بأموالهم ثم بين تعالى في ختام الآية أن فلاحهم واقع ومتحقق لا محالة.
قال العلامة ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: "يقول تعالى ذكره: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ} يقول: اتخذوا مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فابتنوها منازل والإيمان" بالله ورسوله {مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني: من قبل المهاجرين {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} : يحبون من ترك منزله وانتقل إليهم من غيرهم وعنى بذلك الأنصار يحبون المهاجرين ... ثم روى بإسناده إلى قتادة أنه قال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} يقول: مما أعطوا إخوانهم هذا الحي من الأنصار أسلموا في ديارهم فابتنوا المساجد قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، فأحسن الله عليهم الثناء في ذلك، وهاتان الطائفتان الأوليان من هذه الآية أخذتا بفضلهما، ومضتا على مهلهما وأثبت الله حظهما في الفيء".
وروى أيضاً: بإسناده إلى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أنه قال: في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} قال: هؤلاء الأنصار يحبون من هاجر إليهم من المهاجرين " إلى أن قال: وقوله: {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} يقول جل ثناؤه: ولا يجد الذين
__________
1ـ سورة الحشر آية/9.

الصفحة 144