كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي (اسم الجزء: 1)

في المدينة حينذاك، فقد أخرج ابن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم بدر فقدم المدينة جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال: يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً فقالوا: يا محمد لا تغرنك نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً1 لا يعرفون القتال إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا فأنزل الله ـ عز وجل ـ في ذلك من قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} إلى قوله: {لِأُولِي الْأَبْصَارِ} أ. هـ2.
فكأنه يقول لهم: يا معشر يهود لا يغرنكم كثرة العدد، ولا المال والولد فليس هذا سبيل النصر والغلب فالحوادث التي تجري في هذا الكون أعظم دليل على فساد ما تدعون انظروا إلى الفئتين اللتين التقتا، فئة قليلة من المؤمنين عددها ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا ولم يكن معها من القوة إلا سبعون بعيراً يعتقبونها وفرسان فقط3 ولما كانت تقاتل في سبيل الله كتب لها الفوز والغلب على الفئة الكثيرة من المشركين التي كان عددها ألف رجل ومعها من القوة مائتا فرس يقودونها4 وفي هذا عبرة أيما عبرة لذوي البصائر السليمة التي استعملت العقول فيما خلقت لأجله من التأمل في الأمور والاستفادة منها ووجه العبرة في هذا أن هناك قوة فوق جميع القوى وهي قوة الله التي يؤيد بها الفئة المؤمنة القليلة، فتغلب الفئة المشركة الكثيرة بإذنه ـ تعالى ـ وقال ابن جرير مبيناً معنى قوله ـ تعالى ـ في الآية السابقة: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} . وتأويل الكلام قد كان
__________
1ـ قال في النهاية: الأغمار جمع ـ غمر ـ بالضم ـ وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور 3/385.
2ـ جامع البيان 3/192، وتفسير البغوي على حاشية الخازن 1/272، وتفسير ابن كثير 2/14.
3ـ السير لابن هشام 1/613، زاد المعاد 3/171، البداية والنهاية 3/285، وانظر: مسند الإمام أحمد 1/411 من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، المستدرك للحاكم 3/20.
4ـ البداية والنهاية 3/284.

الصفحة 167