كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي (اسم الجزء: 1)

عقد الشرع وأجيب: بأنه إخبار عن الماضي ـ أي: كل عمل كان لكم فهو مغفور ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقل بلفظ الماضي ولقال: فسأغفره لكم، وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب به عمر منكراً عليه ما قال في أمر حاطب وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين فدل على أن المراد ما سيأتي، وأورده في لفظ الماضي مبالغة في تحقيقه، وقيل: إن صيغة الأمر في قوله: "اعملوا" للتشريف والتكريم والمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت، أي: كل ما عملتموه بعد هذه الوقعة من أي عمل كان فهو مغفور.. وقيل: إن المراد ذنوبهم تقل إذا وقعت مغفورة. وقيل: هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم. وفيه نظر ظاهر لقصة قدامة بن مظعون حيث شرب الخمر في أيام عمر وحده ... واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها والله أعلم1.
وقال النووي: قال العلماء: معناه الغفران لهم في الآخرة وإلا فإن توجه على أحد منهم حد أو غيره أقيم عليه في الدنيا ونقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد وأقامه عمر على بعضهم قال: وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسطحاً الحد وكان بدرياً" أ. هـ2.
وقال المناوي شارحاً لهذا الحديث: "اعملوا ما شئتم أن تعملوا فإني غفرت لكم ذنوبكم أي: سترتها فلا أؤاخذكم بها لبذلكم مهجكم في الله ونصر دينه والمراد إظهار العناية بهم وإعلاء رتبتهم والتنويه بإكرامهم والإعلام بتشريفهم وإعظامهم لا الترخيص لهم في كل فعل كما يقال للمحب افعل ما شئت أو هو
__________
1ـ الفتح 7/305-306، وانظر: رسالته في الخصال المكفرة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 1/258.
2ـ شرح النووي على صحيح مسلم 16/56-57.

الصفحة 176