كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي (اسم الجزء: 1)

فالآية اشتملت على منقبة عظيمة لجميع الصحابة الذين حضروا موقعة أحد بغية نصر دين الإسلام وإذلال الشرك وخفض رايته بالجهاد في سبيل الله وتلك المنقبة التي تضمنتها الآية هي إخبار الله جل وعلا بثبوت حقيقة الإيمان ورسوخه في قلوبهم الطاهرة النقية رضي الله عنهم أجمعين.
2- وقال تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} 1. هذه الآية فيها ثناء ومدح عظيم على الطائفتين اللتين همتا بالفشل وهاتان الطائفتان بنو سلمة وبنو حارثة كانتا في يوم أحد جناحي معسكر الإيمان، والهم الذي همت به هاتان الطائفتان هو الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وذلك حين انصرف ابن أبي بثلث الناس، وهذا الهمّ الذي حصل لهما لم يكن عن شك في الإسلام، أو نفاق حاشاهم من ذلك وإنما كان نتيجة عارض الضعف وشيء من الجبن عن لقاء العدو، ولكن الله تعالى تدارك الطائفتين بالعصمة، مما كانا قد هما به فقويت عزائمهم وثبتوا على الرشد ومضوا لقتال أهل الشرك تحت راية الإسلام مع سيد الأنام عليه الصلاة والسلام. والثناء الذي حظيت به هاتان الطائفتان هو أن الآية ناطقة مفصحة بأن الله وليهم وأن تلك الهمة التي هموها ما أخرجتهم من ولاية الله تعالى وفي هذا من الشرف العظيم لهاتين الطائفتين ما لا يعلمه إلا الله فقد روى الشيخان من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: فينا نزلت: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} بنو سلمة وبنو حارثة وما نحب أنها لم تنزل لقول الله ـ عز وجل ـ: {وَلِيُّهُمَا} 2. حق لجابر رضي الله عنه أن يُسَر ويفرح بالتنويه بهذه المنقبة العظيمة لأن ولاية الله لا يظفر بها إلا المؤمنون والصالحون من عباده قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} 3.
__________
1ـ سورة آل عمران آية/122.
2ـ صحيح البخاري 3/113، صحيح مسلم 4/1948.
3ـ سورة البقرة آية/257.

الصفحة 184