كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي (اسم الجزء: 1)

قريش الحرب وعلى أن لا يفروا، ولا يولوهم الدبر، تحت الشجرة وكانت بيعتهم إياه هنالك تحت الشجرة سمرة {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} أي: فعلم ربك يا محمد ما في قلوب المؤمنين من أصحابك إذ يبايعونك تحت الشجرة من صدق النية والوفاء بما يبايعونك عليه والصبر معك {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} أي: فأنزل الطمأنينة والثبات على ما هم عليه من دينهم وحسن بصيرتهم بالحق الذي هداهم الله له {وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} وهو فتح خيبر، وأما قوله تعالى: {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} أي: وأثاب الله هؤلاء الذي بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة مع ما أكرمهم به من رضاه عنهم، وإنزاله السكينة عليهم وإثابته إياهم فتحاً قريباً وهو ما أجرى الله ـ عز وجل ـ على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة.
ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة ولهذا قال الله تعالى: {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} 1.
قال أحمد بن عليّ الجصاص بعد قوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} فيه الدلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان بالحديبية وصدق بصائرهم فهم قوم بأعيانهم ... فدل على أنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة أولياء الله إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة وصدق الإيمان وقد أكد ذلك بقوله: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} يعني: الصبر بصدق نياتهم وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية وهو مثل قوله: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} أ. هـ2.
__________
1ـ جامع البيان 26/85-86، تفسير القرآن العظيم 6/341، وانظر تفسير البغوي على الخازن 6/163، زاد المسير 7/434-435، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 16/278، فتح القدير للشوكاني 5/51.
2ـ أحكام القرآن للجصاص 3/394 والآية رقم 35/من سورة النساء.

الصفحة 207