كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي (اسم الجزء: 1)

يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصناً من أغصانها عن رأسه ونحن أربع عشرة مائة قال: "لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على ألا نفر"1.
وروى أيضاً بإسناده إلى جابر بن عبد الله قال: "كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة وقال: بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت"2.
فهذه الأحاديث أوضحت لنا الشيء الذي بايع عليه الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية إلا أن بعضها تفيد أن البيعة كانت على الموت وبعضها يفيد أنهم بايعوا على عدم الفرار، فقد يحس القارئ أن بين هذه الروايات اختلافاً في الشيء الذي كانت البيعة عليه والواقع أنه لا اختلاف بينها.
فقد قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى: "قد بايعه قوم من أصحابه على الموت، وإنما قالوا: "لا نزال بين يديك حتى نقتل، وبايعه آخرون فقالوا لا نفر"3.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "لا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت وعلى عدم الفرار لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا وليس المراد أن يقع الموت ولا بد"4.
تلك هي البيعة التي استحق بها أصحاب الحديبية رضوان الله تعالى والثناء عليهم بما وقر في قلوبهم من الإيمان والوفاء والصدق وقد رتب تعالى على رضاه عنهم وعلمه بما في قلوبهم ما أنعم به عليهم من سكينة وفتح ومغانم فقال تعالى: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} .
__________
1ـ صحيح مسلم 3/1485.
2ـ صحيح مسلم 3/1483.
3ـ سنن الترمذي 3/76.
4ـ فتح الباري 6/118، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم 13/3.

الصفحة 209