كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي (اسم الجزء: 1)

اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} أي: خرجوا معه لقتال الأعداء في غزوة تبوك وكانت في حر شديد وضيق من الزاد والركوب وكثرة عدد مما يدعو إلى التخلف فاستعانوا الله تعالى وقاموا بذلك {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} أي: تنقلب قلوبهم ويميلوا إلى الدعة والسكون ولكن الله ثبتهم وقواهم1 رضوان الله عليهم أجمعين وأعظم بها من منقبة لأولئك الصفوة حيث شملهم الله تعالى بالتوبة عليهم ومن تاب الله عليه تحققت سعادته في الدار الآخرة.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: من تاب الله عليه لم يعذبه أبداً.2
قال أبو بكر أحمد بن علي الجصاص: "وقوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} فيه مدح لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين غزوا معه من المهاجرين والأنصار وإخبار بصحة بواطن ضمائرهم وطهارتهم لأن الله تعالى لا يخبر بأنه قد تاب عليهم إلا وقد رضي عنهم ورضي أفعالهم وهذا نص في رد قول الطاعنين عليهم والناسبين لهم إلى غير ما نسبهم الله إليه من الطهارة ووصفهم به من صحة الضمائر وصلاح السرائر رضي الله عنهم".3
قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} .4
الوعد بالاستخلاف في هذه الآية عام يدخل تحته كل من تولى وظيفة من
__________
1ـ انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي 3/145.
2ـ ذكره البغوي في تفسيره المسمى معالم التنزيل 3/129. على حاشية الخازن.
3ـ أحكام القرآن للجصاص 3/160.
4ـ سورة النور آية / 55.

الصفحة 68