كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي (اسم الجزء: 1)

يوم الدين.
قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} 1.
هذه الآية تضمنت ذكر منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم بالثناء عليه ثم ثنى الله تعالى فيها بالثناء على سائر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. فذكر تعالى أن من صفاتهم الشدة والغلظة على أهل الكفر، كما وصفهم بالتراحم والتعاطف فيما بينهم، ووصفهم بأنهم يكثرون من الأعمال الصالحة المقرونة بالإخلاص وسعة الرجاء، وفي مقدمة تلك الأعمال الصالحة إكثارهم من الصلاة ابتغاء الحصول على فضل من الله ورضوان، كما بين ـ سبحانه ـ أن آثار ذلك يظهر على وجوههم {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} والسيماء اللعلامة. وقد قيل المراد بها بياض يكون في الوجوه يوم القيامة قاله الحسن وسعيد بن جبير وهو رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما، ورواية أخرى عنه وعن مجاهد: السيماء في الدنيا هو السمت الحسن "وعن مجاهد أيضاً: هو الخشوع والتواضع".2
وهذه الأقوال لا منافاة بينها إذ يمكن أن يكون في الدنيا هو السمت الحسن الذي ينشأ عن التواضع والخشوع، وفي الآخرة يكون في جباههم نور.3
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "فالصحابة رضي الله عنهم خلصت نياتهم
__________
1ـ سورة الفتح آية / 29.
2ـ جامع البيان 26/110-111، تفسير ابن كثير 6/364، الجامع لأحكام القرآن 16/293-294.
3ـ انظر: جامع البيان للطبري 26/112.

الصفحة 74