كتاب عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي (اسم الجزء: 1)

وحسنت أعمالهم فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم وقال مالك رضي الله عنه: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا الشام يقولون: والله لهؤلاء خير من الحوارين فيما بلغنا. وصدقوا في ذلك فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نوه الله ـ تبارك وتعالى ـ بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة، ولهذا قال ـ سبحانه ـ ههنا {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} ثم قال {وَمَثَلُهُمْ فِي الأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} أي: فراخه {فَآزَرَهُ} أي: شدَّه وقواه {فَاسْتَغْلَظَ} أي: شبَّ وطال {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} أي: فكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم آزروه وأيدوه ونصروه فهم معه كالشطء مع الزرع {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم قال: "لأنهم يغيظونهم ومن غاظه الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك ... ثم قال تبارك وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ} من هذه لبيان الجنس {مَغْفِرَةً} أي: لذنوبهم {وَأَجْراً عَظِيماً} أي: ثواباً جزيلاً ورزقاً كريماً ووعد الله حق وصدق لا يخلف ولا يبدل، وكل من اقتفى أثر الصحابة رضي الله عنهم فهو في حكمهم ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم وجعل الفردوس مأواهم وقد فعل1.
"وفي قوله ـ سبحانه ـ في حق الصحابة الكرام رضي الله عنهم {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} أخطر حكم وأغلظ تهديد وأشد وعيد في حق من غيظ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان في قلبه غل لهم".2
__________
1ـ تفسير القرآن العظيم 6/365.
2ـ "قبس من هدى الإسلام" لشيخنا عبد المحسن العباد ص/ 86.

الصفحة 75