كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
وقد فسَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الحياةَ بأنّ «أرواحَهم في جوف طيرٍ خُضْرٍ، لها قناديلُ مُعلَّقة بالعرش، تسرحُ في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل. فاطَّلع عليهم ربهم اطّلاعةً فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أيَّ شيء نشتهي؟ ونحن نسرحُ من الجنة حيث شئنا، ففعل (¬١) بهم ذلك ثلاثَ مرات، فلما رَأَوا أنهم لن (¬٢) يُترَكوا من أن يسألوا قالوا: نريد أن تُرَدَّ أرواحُنا في أجسادنا، حتى نُقتَلَ في سبيلك مرةً أخرى» (¬٣).
وصحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم -: «أنّ أرواح الشهداء [٢٥ أ] في طيرٍ خُضْر تَعْلُقُ من ثمر الجنة» (¬٤). وتعلُق بضم اللام: أي تأكل العُلْقة (¬٥).
وقال ابن عباس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لما أُصيب إخوانُكم بأُحد جعل الله أرواحَهم في أجوافِ طيرٍ خُضْر ترِدُ أنهارَ الجنة، وتأكلُ من ثمارها، وتأوي إلى قناديل (¬٦) من ذهب في ظلِّ العرش. فلما وجدوا طيبَ مَشربهم ومأكلهم وحسنَ مَقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا، لئلا يزهَدوا في الجهاد، ولا ينكُلوا (¬٧) عن الحرب. فقال الله عز وجل: أنا أُبلِّغهم
---------------
(¬١) (ب، ط، ن): «يفعل».
(¬٢) (ب، ط، ن): «لم».
(¬٣) أخرجه مسلم (١٨٨٧) من حديث عبد الله بن مسعود.
(¬٤) أخرجه الترمذي من حديث مالك بن أبي كعب (١٦٤١) وقال: حديث حسن صحيح.
(¬٥) في هامش (ط): «العلقة: الشيء اليسير».
(¬٦) (ن): «قناديل معلقة».
(¬٧) (ن): «يتكلفوا»، تحريف.