كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

جزعًا شديدًا، فكنت [٣ أ] آتي قبره في كل يوم؛ ثم إنّي قصَّرتُ عن ذلك (¬١) ما شاء الله، ثم إني أتَيتُه (¬٢) يومًا، فبينا أنا جالس عند القبر غلبتني عيناي، فنمتُ، فرأيت كأنَّ قبر أبي قد انفرج (¬٣)، وكأنه قاعد في قبره متوشِّحًا أكفانه، عليه سَحنةُ (¬٤) الموتى. قال: فكأني بكيتُ لما رأيته، قال: يا بُنَيَّ ما بَطَّأَ بك عنّي؟ قلت: وإنك لَتعلمُ بمجيئي؟ قال: ما جئتَ مرَّةً إلا علمتُها. وقد كنتَ تأتيني فأُسَرُّ (¬٥) بك، ويُسَرُّ مَن حولي بدعائك. قال: فكنت آتيه بعد ذلك كثيرًا (¬٦).
حدثني محمد، حدثني يحيى بن بِسطام، حدثني عثمان بن سَوْدَة (¬٧) الطُّفاوي ــ قال: وكانت أمُّه من العابدات، وكان يقالُ لها: راهبة ــ قال: لما احتُضِرتْ رفعَتْ رأسها إلى السماء فقالت: يا ذُخري وذخيرتي، ومَن عليه اعتمادي في حياتي وبعد موتي؛ لا تخذُلْني عند الموت، ولا تُوحِشني في قبري.
قال: فماتت، فكنت آتيها في كلِّ جمعة، فأدعو لها، وأستغفر لها ولأهل القبور. فرأيتها ذات يوم في منامي، فقلت لها (¬٨): يا أُمَّهْ كيف أنت؟ قالت:
---------------
(¬١) (ز): "عنه".
(¬٢) (ز): "ثم أتيته".
(¬٣) (ب): "انفتح".
(¬٤) (ط، ز): "سجية"، تصحيف.
(¬٥) (ب، ط): "فآنس". وأشير إلى هذه النسخة في طرّة (ق) أيضًا.
(¬٦) أخرجه البيهقي في الشعب (٦/ ٢٠٢). وابن رجب في الأهوال (٨٤) بهذا السند. وإلى ابن أبي الدنيا والبيهقي عزاه السيوطي في شرح الصدور (٣٠١).
(¬٧) (أ، غ): سُوَيد.
(¬٨) "لها" من (ب، ط، ج).

الصفحة 12