كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

مات فيه قال: أجلِسوني. فأجلَسوه، فقال: أنا الذي أمرتَني فقصَّرتُ، ونهيتَني فعصيتُ ــ ثلاثَ مرات ــ ولكن لا إله إلا الله. ثم رفع رأسه، فأحدَّ النظر. فقالوا: إنّك لتنظر نظرًا شديدًا يا أمير المؤمنين! فقال: إني لأرى حَضرةً ما هم بإنس ولا جنّ. ثم قُبض.
وقال مَسْلَمة بن عبد الملك: لما احتُضِر عمرُ بن عبد العزيز كنَّا عنده في قبةٍ، فأومأ إلينا أن اخرجوا. فخرجنا، [٤٢ أ] فقعدنا حول القبة، وبقي عنده وصيف، فسمعناه يقرأ هذه الآية: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: ٨٣] ما أنتم بإنس ولا جانٍّ. ثم خرج الوصيف، فأومأ إلينا أن ادخلوا. فدخلنا (¬١) فإذا هو قد قُبض (¬٢).
وقال فَضَالة بن دينار: حضرتُ محمد بن واسع، وقد سُجِّي للموت، فجعل يقول: مرحبًا بملائكة ربِّي، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وشمِمْتُ رائحةً طيبةً لم أشَمَّ رائحةً (¬٣) قطُّ أطيبَ منها. ثم شَخَص ببصره (¬٤)، فمات (¬٥).
والآثار في ذلك أكثرُ من أن تُحصَر، وأبلغ. ويكفي من ذلك كلِّه قولُ الله عز وجل: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ
---------------
(¬١) «فدخلنا» ساقط من (ن).
(¬٢) أخرجه ابن أبي الدنيا في المحتضرين (٨٩).
(¬٣) من (أ، غ).
(¬٤) زاد في الأصل: «إلى السماء» وكتب فوقها: «لا» أولها و «إلى» آخرها.
(¬٥) أخرجه ابن أبي الدنيا في المحتضرين (١٩٣).

الصفحة 189