كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
وغيره في الدنيا، وأن يراد به عذابُهم في البرزخ. وهو أظهر، لأن كثيرًا منهم مات (¬١)، ولم يعذَّب في الدنيا. وقد يقال ــ وهو أظهر ــ أنَّ من مات منهم عُذِّب في البرزخ، ومن بقي منهم (¬٢) عُذِّب في الدنيا بالقتل وغيره. فهو وَعيدٌ بعذابهم في الدنيا وفي البرزخ.
ومنها قوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: ٢١]. وقد احتجَّ بهذه الآية جماعة ــ منهم عبد الله بن عباس (¬٣) ــ على عذاب القبر. وفي الاحتجاج بها شيءٌ؛ لأنَّ هذا عذابٌ في الدنيا يُستدعى به (¬٤) رجوعُهم عن الكفر. ولم يكن هذا مما يخفَى على حبر الأمة وترجمان القرآن (¬٥)، لكن من فِقْهه [٤٩ أ] في القرآن ودِقَّة فهمه فيه، فَهِم منها عذابَ القبر؛ فإنَّه سبحانه أخبر أنَّ له فيهم عذابين: أدنى وأكبر، فأخبر أنه يذيقُهم بعض الأدنى ليرجعوا، فدلَّ على أنه بقي لهم من الأدنى بقيةٌ يعذَّبون بها بعد عذاب الدنيا. ولهذا قال: {مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى}، ولم يقل: ولنذيقنَّهم العذاب الأدنى (¬٦) فتأمَّلْه.
---------------
(¬١) «مات» ساقط من (ن).
(¬٢) «منهم» من (أ، ق، غ).
(¬٣) لم أجده منهم، وإنما نُسب إليه في رواية ابن أبي طلحة: أنه مصائب الدنيا. وفيما رواه عكرمة: الحدود. أما القول بأن المراد عذاب القبر أو هو وعذاب الدنيا، فنسب إلى البراء بن عازب، ومجاهد. انظر: تفسير الطبري (١٨/ ٦٣١)، وزاد المسير (٦/ ٣٤١).
(¬٤) ما عدا (أ، ق، غ): «بهم»، وهو خطأ.
(¬٥) في (ب، ط، ج) دون واو العطف قبله.
(¬٦) «ولم يقل ... الأدنى» ساقط من (ن).