كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
ومَن يقول منهم: إن العَرَض لا يبقى زمانين ــ كما يقوله (¬١) أكثر الأشعرية ــ فمِن قولهم: إنَّ روحَ الإنسان الآن هي غيرُ روحه قبلُ، وهو لا ينفكُّ تحدث له روحٌ ثم تُغَيَّر، ثم روحٌ ثم تغيَّر (¬٢)، هكذا أبدًا، فتُبدَّل له ألفُ روح فأكثر في مقدار ساعة (¬٣) من الزمان فما دونها. فإذا مات فلا روحَ (¬٤) تصعد إلى السماء، وتعودُ إلى القبر وتقبضُها الملائكة، ويستفتحون لها أبواب السماوات، ولا تُنعَّم، ولا تُعذَّب. وإنما ينعَّم ويعذَّب الجسد. إذا شاء الله تنعيمه وعذابه (¬٥) ردَّ إليه الحياة في وقت يريد نعيمه وعذابه، وإلا فلا روح هناك قائمة بنفسها البتَّة.
وقال بعض أرباب هذا القول: تُرَدُّ الحياة إلى عَجْب الذَّنَب، فهو الذي يعذَّب وينعَّم حَسْبُ. وهذا قولٌ يردُّه الكتاب والسنَّة، وإجماع الصحابة، وأدلَّة العقول والفِطَر (¬٦). وهو قول مَن لم يَعرِف روحَه، فضلاً عن روح غيره. وقد خاطب الله سبحانه النفس بالرجوع والدخول والخروج، ودلَّت النصوص الصحيحة الصريحة (¬٧) على أنها تصعد وتنزل، وتُقبَض وتُمْسَك،
---------------
(¬١) (ط): «يقول».
(¬٢) في الفصل ابن حزم (٢/ ٣٢٠): «ثم تفنى» في الموضعين.
(¬٣) (ط): «ساعاته»، خطأ.
(¬٤) «روح» لم يرد في (أ، غ).
(¬٥) (ق، غ): «تنعيمه وتعذيبه». (ب، ط، ج): «تعذيبه وتنعيمه». (ن): «نعيمه وتعذيبه».
(¬٦) ما عدا (ب، ط، ج): و «الفِطَن والفِطَر». والظاهر أن «الفطر» تحرَّف إلى «الفطن» ثم جُمع بينهما.
(¬٧) النصوص التي أشار المصنف إليها فيما يأتي قد سبقت، ثم تأتي مرة أخرى في المسألة التاسعة عشرة.