كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

من صفات الله عزَّ وجلَّ وحقائق أسمائه الحسنى حقٌّ لا يُبطلِه تسميةُ المعطلين لها: تركيبًا وتجسيمًا. وكذلك ما دلَّ عليه العقل والنقل من إثبات أفعاله وكلامه بمشيئته، ونزوله كلَّ ليلة إلى سماء الدنيا، ومجيئه يوم القيامة للفصل بين عباده= حقٌّ لا يُبطلِه تسميةُ المعطِّلين (¬١) له: حلولَ حوادثَ. وكما أنَّ ما دلَّ عليه العقل والنقل من علوِّ الله على خلقه ومباينته لهم (¬٢)، واستوائه على عرشه، وعروجِ الملائكة والروح إليه ونزولِها من عنده، وصعودِ الكلِم الطيِّب إليه، وعروجِ رسوله إليه ودنوِّه منه حتى صار قاب قوسين أو أدنى، وغير ذلك من الأدلّة= حقٌّ لا يبطله تسمية الجهمية له: حيِّزًا وجهةً وتجسيمًا.
قال الإمام أحمد: لا نُزيل عن الله صفةً (¬٣) من صفاته لأجل شناعة المشنِّعين (¬٤). فإنَّ هذا شأن أهل البدع، يلقِّبون أهلَ السُّنَّة وأقوالَهم بالألقاب التي ينفِّرون منها الجُهَّال، ويسمونها: حشوًا وتركيبًا وتجسيمًا. ويسمُّون عرش الربِّ تبارك وتعالى: حيِّزًا وجهةً، ليتوصَّلوا بذلك إلى نفي علوِّه على (¬٥) خلقه
---------------
(¬١) (غ): «المعطل». وكذا كان في الأصل ثم أصلح.
(¬٢) (ط): «له». وهو ساقط من (ب، ج).
(¬٣) (ب، ط، ن): «لا تزيل ... ». وفي (أ، غ): «لا تُزِلِ الله عن صفة». والمثبت من (ق)، وهو الموافق للمصادر الأخرى.
(¬٤) أوردها المؤلف بهذا اللفظ في الصواعق المرسلة (٤٤٠) ومدارج السالكين (٣/ ٢٥٩) ومفتاح دار السعادة (٢/ ٤٥٨) وغيره. ولفظه في رواية حنبل: «ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعات شُنِّعت». إبطال التأويلات لأبي يعلى (١/ ٤٤). وانظر أيضًا (٢/ ٢٩٧). ونحوه عن حنبل في اجتماع الجيوش الإسلامية (٣٢٢).
(¬٥) (أ، غ): «عن».

الصفحة 343