كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

واستوائه على عرشه؛ كما تسمِّي الرافضةُ موالاةَ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلِّهم، ومحبتَهم والدعاءَ لهم نَصْبًا، وكما تسمِّي القدريةُ المجوسيةُ إثباتَ القدر جبرًا (¬١). فليس الشأن في الألقاب، وإنما الشأن في الحقائق.
والمقصود: أنَّ تسمية ما دلَّت عليه السُّنَّة الصريحة من جَعْل أرواح الشهداء في أجواف طيرٍ خُضْرٍ تناسخًا لا يبطل هذا المعنى. وإنما التناسخ الباطل ما يقوله (¬٢) أعداء الرسل من الملاحدة وغيرِهم الذين ينكرون المعاد: إنَّ الأرواح تصير بعد مفارقة الأبدان إلى أجناس الحيوان والحشرات والطيور التي (¬٣) تناسبها وتشاكلها، فإذا فارقت هذه الأبدانَ انتقلت إلى أبدان تلك الحيوانات فتنعَّم فيها وتعذَّب، ثم تفارقها وتحلُّ في أبدان أُخَر [٧٣ ب] تناسب أعمالها وأخلاقها؛ وهكذا أبدًا. فهذا معادُها عندهم ونعيمُها وعذابها، لا معادَ لها عندهم غيرُ ذلك. فهذا هو التناسخ الباطل المخالف لما اتفقت (¬٤) عليه الرسل والأنبياء من أولهم إلى آخرهم، وهو كفر بالله وباليوم (¬٥) الآخر.
وهذه الطائفة تقول: إنَّ مستقرَّ الأرواح بعد المفارقة أبدانُ الحيوانات التي تناسبها. وهو أبطلُ قولٍ وأخبثُه.
ويليه قول من قال: إنَّ الأرواح تُعدَم جملةً بالموت، ولا تبقى هناك
---------------
(¬١) انظر في هذا المعنى أيضًا: الصواعق المرسلة (ص ٤٣٨ ــ ٤٤١).
(¬٢) (ن): «تقوله». وأهمل نقطه في (أ، ق).
(¬٣) في (ب، ط، ن، ج) زيادة بعد «التي»: «كانت».
(¬٤) (ط): «أنفق».
(¬٥) (ب، ن): «واليوم».

الصفحة 344