كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (¬١) [التكوير: ٢٩]. فهو ربُّ جميع العالم ربوبيَّةً (¬٢) شاملةً لجميع ما في العالم (¬٣) من ذواتٍ وأفعالٍ وأحوال.
وقالت طائفة (¬٤): الآيةُ إخبارٌ عن شرعِ مَنْ قَبلنا، وقد دلَّ شرعُنا على أنَّ (¬٥) له ما سَعى، وما سُعِي له (¬٦). وهذا أيضًا أضعفُ من الأول، أو من جنسه. فإنَّ الله سبحانه أخبر بذلك إخبارَ مقرِّرٍ له محتجٍّ به، لا إخبارَ مُبطِلٍ له. ولهذا قال: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} [النجم: ٣٦]. فلو كان هذا باطلاً في هذه الشريعة لم يُخبِر به إخبارَ مقرِّر له محتجٍّ به.
وقالت طائفة: اللام بمعنى على، أي: وليس على الإنسان إلا ما سعى (¬٧). وهذا أبطَلُ من القولين الأوَّلَين، فإنَّه قَلْبُ موضوعِ الكلام (¬٨) إلى ضدِّ معناه المفهوم منه. ولا يسوغ مثلُ هذا، ولا تحتمله اللغة. وأما نحو: {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} [غافر: ٥٢] فهي على بابها (¬٩)، أي: هي نصيبُهم وحظهم.
---------------
(¬١) لم ترد هذه الآية في (ب، ط، ن، ج).
(¬٢) كذا مضبوطة في (ق). وفي (ب، ن): «ربوبيته».
(¬٣) «فهو رب ... العالم» ساقط من (ط).
(¬٤) (ن): «طائفة أخرى».
(¬٥) (ق، ط): «أنه».
(¬٦) وهو قول عكرمة. انظر: الكشف والبيان (٩/ ١٥٣) وزاد المسير (٨/ ٨١).
(¬٧) زاد المسير (٨/ ٨١) وذكر أنّه حكاه شيخه علي بن عبيد الله الزاغوني (ت ٥٢٧).
(¬٨) هذا الضبط من الأصل. وفي (ط): «قلَبَ موضوعَ الكلام».
(¬٩) خلافًا لمن فسَّر اللام فيها بمعنى (على). انظر: زاد المسير (٧/ ٢٣١)، البحر المحيط (٧/ ٤٩٦).