كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

بذلك على الوِلدان والحورِ العِين والخلقِ الذين يُنشئهم للجنَّة بغير أعمال، والقومِ الذين يُدخلهم الجنة بلا خيرٍ قدَّموه ولا عملٍ عملوه.
فقوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: ٣٨]، وقوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] آيتان محكَمتان، يقتضيهما عدلُ الربِّ تعالى، وحكمتُه (¬١)، وكمالُه المقدَّس؛ والعقل والفطرة شاهدان بهما. فالأولى تقتضي (¬٢) أنَّه لا يعاقَب بجرم غيره، والثانية تقتضي أنَّه لا يفلح إلا بعمله وسعيه. فالأولى تؤمِّن العبد من أخْذِه بجريرة غيره، كما يفعله ملوك الدنيا. والثانية تقطَع طمعَه من نجاته (¬٣) بعمل آبائه وسلفه ومشايخه، كما عليه أصحاب الطمع الكاذب. فتأمَّلْ حسنَ اجتماع هاتين الآيتين!
ونظيره قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]. فحكَم سبحانه لعباده بأربعة أحكامٍ هي غايةُ العدلِ والحكمة:
أحدها: أنَّ هُدى العبد بالإيمان والعمل الصالح لنفسه، لا لغيره.
الثاني: أنَّ ضلالَه بفوات ذلك وتخلُّفَه عنه على نفسه، لا على غيره.
الثالث: أنَّ أحدًا لا يؤاخَذُ بجريرة غيره.
الرابع: أنَّه لا يعذِّب أحدًا إلا بعد إقامة الحُجَّة عليه برسله.
---------------
(¬١) «وحكمته» ساقط من (ب، ط).
(¬٢) (ق، ب، ط): «فالأول يقتضي»، خطأ، فإن المقصود: الآية، لا العقل.
(¬٣) (ق): «نَجائه». (أ، غ): «لَحاقه».

الصفحة 379