كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)
وقد قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: ٢٦]. يقال: نافستُ في الشيء منافسةً، ونِفاسًا، إذا رغبتَ فيه على وجه المباراة. ومن هذا قولهم: شيء نفيسٌ، أي: هو أهلٌ أن يُتنافَس فيه ويُرغَب فيه. وهذا أنفسُ مالي أي: أحَبُّه إليَّ. وأنفَسَني فلانٌ في كذا أي: أَرغَبني فيه (¬١). وهذا كلُّه ضدُّ الإيثار به والرغبة عنه.
فصل
وأما قولكم: لو ساغ الإهداء إلى الميِّت لساغ إلى الحيِّ؛ فجوابه من وجهين:
أحدهما: أنّه قد ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم. قال القاضي: وكلامُ أحمد (¬٢) لا يقتضي التخصيصَ بالميِّت، فإنه قال (¬٣): «يفعل الخير ويجعل نِصفَه لأبيه وأمِّه»، ولم يفرِّق (¬٤).
واعترض عليه أبو الوفاء بن عَقيل وقال: هذا فيه بُعْد. وهو تلاعبٌ بالشرع، وتصرُّفٌ في أمانة (¬٥) الله، وإسجالٌ على الله سبحانه بثوابٍ على عمل ينقله (¬٦) إلى غيره. وبعد الموت قد جعل لنا طريقًا (¬٧) إلى إيصال
---------------
(¬١) انظر: الصحاح للجوهري (نفس ٩٨٥) وكأن المصنف صادر عنه.
(¬٢) (ق): «الإمام أحمد».
(¬٣) «قال» ساقط من (ن). وفي (ط) مكانها: «قد».
(¬٤) انظر: الفروع (٣/ ٤٣٠).
(¬٥) كذا في (ق، ن). وفي (أ، غ): «آيات». وفي (ب، ط): «إثابة». وأشير في حاشية (ط) إلى أن في نسخة: «أمانة».
(¬٦) (أ، ق، غ): «يفعله».
(¬٧) (ب، ط، ن، ج): «طريق».