كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

وما ذاك إلّا سِماتُ مخلوق مُبدَع، وصِفات مُنْشَأ مُخْترَع، وأحكام مربوب مدبَّر مصرَّف تحت مشيئة خالقه وفاطره وبارئه.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عند نومه: «اللهم أنت خلقتَ نفسي وأنت تَوَفَّاها (¬١). لك مماتها ومحياها، فإن أمسكتَها فارحَمْها، وإن أرسلتَها فاحفَظْها بما تحفظُ به عبادَك الصالحين» (¬٢).
وهو تعالى بارئ النفوس كما هو بارئُ الأجساد. قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: ٢٢]. قيل: من قبل أن نبرأ (¬٣) المصيبة. وقيل: من قبل أن نبرأ الأرض. وقيل: من قبل أن نبرأ الأنفس، وهو أولى؛ لأنه أقرب مذكور إلى الضمير. ولو قيل: يرجع إلى الثلاثة أي: من قبل أن نبرأ المصيبة والأرض والأنفس لكان أوجَه (¬٤).
---------------
(¬١) (ط): «تتوفاها».
(¬٢) كذا في جميع النسخ. وهذا اللفظ مركب من حديثين: حديث ابن عمر الذي أخرجه مسلم (٢٧١٢) وفيه بعد «محياها»: «إن أحييتها فاحفظها وإن أمَتَّها فاغفر لها. اللهم إني أسألك العافية». وحديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري (٦٣٢٠، ٧٣٩٣) ومسلم (٢٧١٤) وأوله: «باسمك ربِّي وضعتُ جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها ... ».
(¬٣) في (ق، غ) هنا وفي المواضع الآتية: «يبرأ». وفي (ب): «نبرأها: المصيبة» وكذلك فيما بعد.
(¬٤) انظر المحرر الوجيز (٥/ ٢٦٨) وقد نقل عن المهدوي جواز عود الضمير على جميع ما ذكر.

الصفحة 434