كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

وأصرحُ منه قوله (¬١): {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: ١]. وهذا صريح في أنَّ خلْقَ جُملةِ النوعِ الإنساني بعد خلقِ [١٠٤ أ] أصله.
فإن قيل: هذا (¬٢) لا ينفي تقدُّمَ خلق الأرواح على أجسادها، وإن خُلِقت بعد خلق أبي البشر، كما دلَّت عليه الآثار المتقدمة.
قيل: سنبيِّن ــ إن شاء الله ــ أنَّ الآثار المذكورة لا تدلُّ على سَبْق الأرواحِ الأجسادَ (¬٣) سَبْقًا مستقرًّا ثابتًا. وغايتُها أن تدلَّ بعد صحتها وثبوتها على أنَّ بارئها وفاطرها سبحانه صوَّر النَّسَمَ، وقدَّر خلْقَها وآجالها وأعمالها، واستخرج تلك الصورَ من مادتها، ثم أعادها إليها، وقدَّر خروج (¬٤) كلِّ فرد من أفرادها في وقته المقدَّر له. ولا تدل على أنها خُلقت خلقًا مستقرًّا، ثم استمرَّت موجودةً (¬٥) حيَّةً عالمةً (¬٦) ناطقةً، كلُّها في موضع واحد. ثم تُرسَل منها إلى الأبدان جملةً بعد جملة، كما قاله أبو محمد بن حزم، فهل تحتمل (¬٧) الآثارُ ما لا طاقة لها به؟ نعم الربُّ سبحانه يخلق منها جملةً بعدَ جملةٍ على الوجه الذي سبق به التقدير أولًا، فيجيءُ الخلق الخارجيُّ مطابقًا
---------------
(¬١) لم يرد «قوله» في (أ، غ).
(¬٢) ما عدا (أ، غ): «فهذا».
(¬٣) (ب، ج، ن): «للأجساد».
(¬٤) (أ، ق، غ): «كل خروج»، ولعله سهو.
(¬٥) (ق، ط، ن): «بوجوده».
(¬٦) «حية» ساقط من (ب، ج). وسقط من (ن) معه «عالمة».
(¬٧) (ب، ج، ن): «تحمل».

الصفحة 467