كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

غَفْلةٌ عنه، فيجحدونه، ويُنكرونه؛ فمتى تكون هذه الغفلة منهم؟ وهو عزَّ وجلَّ لا يؤاخذهم بما لم يكن منهم، وذكرُ ما لا يجوز ولا يكون مُحال (¬١).
وقوله: {أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} [الأعراف: ١٧٣]، فلا يخلو هذا الشرك الذي يؤاخَذون به أن يكون منهم أنفسِهم، أو من آبائهم. فإن كان منهم، فلا يجوز (¬٢) أن يكون ذلك إلا بعد البلوغ وثُبوتِ الحجة عليهم؛ إذ الطفل لا يكون منه شرك ولا غيره. وإن كان من غيرهم، فالأمَّةُ (¬٣) مُجمِعة على أنْ {لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] كما قال عزَّ وجلَّ في الكتاب.
وليس هذا (¬٤) بمخالف لما رُوي عن النبي [١٠٨ أ] - صلى الله عليه وسلم -: «أن الله مسح ظهرَ آدم، وأخرج منه ذرِّيتَه، فأخذ عليهم العهد» (¬٥)؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - اقتَصَّ قول الله عز وجل، فجاء مثلَ نظمِه (¬٦)، فوضع الماضي من اللفظ موضعَ المستقبل.
قال: وهذا شبيهُ القصَّة بقصَّة قوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: ٨١]. فجعل سبحانه ما أَنزلَ على الأنبياء من الكتاب
---------------
(¬١) (ن): «محالًا» ظنَّه خبر كان.
(¬٢) في الأصل: «يخلو»، سهو من الناسخ.
(¬٣) (ق، ب، ط): «فالآية»، تحريف.
(¬٤) «هذا» ساقط من الأصل.
(¬٥) تقدم تخريجه من حديث عمر رضي الله عنه (ص ٤٥٥).
(¬٦) هذه الجملة محرَّفة في (ب، ج، ن).

الصفحة 486