كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

قال الحسن بن يحيى الجرجاني (¬١): فإن اعترض معترِضٌ في هذا الفصل بحديث يُروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله مسَح [١١٠ أ] ظهرَ آدم، فأخرج منه ذريته، وأخذ عليهم العهد، ثم ردَّهم في ظهره» (¬٢)، وقال: إنَّ هذا مانع من جواز التأويل الذي ذهبتَ إليه، لامتناع ردِّهم في الظَّهر إن كان أخذ الميثاق عليهم بعد البلوغ وتمام العقل.
قيل له: إنَّ معنى «ثم ردَّهم في ظهره»: ثم يردُّهم في ظهره (¬٣)، كما قلنا: إن معنى {أَخَذَ رَبُّكَ}: يأخذ ربك. فيكون معناه: ثم يردُّهم في ظهره بوفاتهم، لأنهم إذا ماتوا رُدُّوا إلى الأرض للدفن، وآدمُ خلق منها ورُدَّ فيها، فإذا رُدُّوا فيها فقد رُدُّوا في آدم وفي ظهره (¬٤)؛ إذ كان آدمُ خُلِق منها وفيها رُدَّ، وبعضُ الشيء من الشيء. وفيما ذهبتم إليه من (¬٥) تأويل هذا الحديث على ظاهره تفاوتٌ بينه وبين ما جاء به القرآن في هذا المعنى، إلا أن يُرَدَّ تأويلُه إلى ما ذكرناه؛ لأنه عزَّ وجلَّ قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهمْ} (¬٦) [الأعراف: ١٧٢]. ولم يذكر آدمَ في القصة، إنما هو هاهنا مضاف إليه لتعريف ذريته أنهم منه وأولادُه. وفي الحديث: أنه مسح ظهرَ آدم، فلا يمكن ردُّ ما جاء في القرآن وما جاء في الحديث إلى الاتِّفاق إلا بالتأويل
---------------
(¬١) صاحب «نظم القرآن»، وقد سبقت ترجمته.
(¬٢) سبق في (ص ٤٨٦).
(¬٣) «ثم يردهم في ظهره» ساقط من (أ، ط، غ).
(¬٤) (ب، ج): «ظهر آدم».
(¬٥) ساقط من (ب، ج).
(¬٦) انظر التعليق في الصفحة السابقة.

الصفحة 494