كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)
التفاح، فأعطيا الثمنَ، ثم عادا (¬١) إليه. ووقع بصرُه عليهما فقال: يمكن الإنسان أن يخرجَ من الظُّلمة (¬٢) بهذه السرعة؟ أخبراني عن شأنكما، فأخبراه بالقصة، فقال: نعم، كان كل واحدٍ منكما يعتمد على صاحبه في إعطاء الثمن (¬٣)، والرجل مُستحٍ منكما في التقاضي (¬٤).
وكان بين أبي زكريا النَّخْشَبي وبين امرأةٍ سببٌ قبل توبته، فكان يومًا واقفًا على رأس أبي عثمان الحِيري، فتفكَّر في شأنها. فرفع أبو عثمان إليه رأسه، وقال: ألا تستحي (¬٥).
وكان شاه الكِرماني جيِّدَ الفِراسة لا تُخطئ فراسته. وكان يقول: من غضَّ بصره عن المحارم، وأمسكَ نفسَه عن الشهوات، وعمَرَ باطنَه بدوام المراقبة، وظاهِرَه باتباع السنة، وتعوَّد أكل الحلال= لم تُخطئ فراسته (¬٦).
وكان شابٌّ يصحب الجنيدَ، يتكلَّم على الخواطر. [١٥٨ أ] فذُكر للجنيد، فقال له: أيشٍ هذا الذي ذُكِر لي عنك؟ فقال له: اعتقِدْ شيئًا، فقال له الجنيد: اعتقدتُ. فقال الشابُّ: اعتقدتَ كذا وكذا. فقال الجنيدُ: لا. فقال: اعتقِد
---------------
(¬١) كأن في الأصل و (ق): «عمدا». والمثبت موافق لمصدر الخبر.
(¬٢) في الأصل: «هذه الظلمة». ولعله سهو. وكذا في (غ).
(¬٣) (ط): «إعطاء الرجل ثمنه».
(¬٤) الرسالة القشيرية (٢/ ٣٨٧ ــ ٣٨٨).
(¬٥) المصدر السابق (٢/ ٣٨٨).
(¬٦) المصدر السابق (٢/ ٣٨٨ ــ ٣٨٩). وانظر: إغاثة اللهفان (١/ ٤٨) ومدارج السالكين (٢/ ٤٨٤).