كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)
ثانيًا. قال: اعتقدتُ (¬١). فقال الشابُّ: اعتقدتَ كذا وكذا، فقال الجنيد: لا، قال: فاعتقِد ثالثًا. قال: اعتقدتُ. قال الشابُّ: هو كذا وكذا. قال: لا. فقال الشابُّ: هذا عجَب، أنت صدوقٌ وأنا أعرف قلبي! فقال الجنيد: صدقت في الأولى والثانية والثالثة، لكن أردتُ أن أمتحنك، هل يتغير قلبُك؟ (¬٢).
وقال أبو سعيد الخرَّاز: دخلتُ المسجدَ الحرام، فدخل فقيرٌ عليه خِرقتان يسأل شيئًا. فقلت في نفسي: مثلُ هذا كَلٌّ على الناس. فنظر إليَّ، وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: ٢٣٥]. قال: فاستغفرتُ في سِرِّي، فناداني وقال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: ٢٥] (¬٣).
وقال إبراهيمُ الخوَّاص: كنت في الجامع (¬٤) فأقبل شابٌّ طيب الرائحة، حسن الوجه، حسن الحرمة. فقلت لأصحابنا: يقع لي أنه يهوديٌّ! فكلُّهم كَرِه ذلك. فخرجت، وخرج الشابُّ، ثم رجَع إليهم، فقال: أيشٍ قال الشيخ فيَّ؟ فاحتشموه، فألحَّ عليهم، فقالوا: قال: إنك يهودي. فجاء، فأكبَّ على يدي، فأسلم. فقلت: ما السبب؟ فقال: نجد في كتبنا (¬٥) أنَّ الصدِّيق لا تُخطئ فراسته، فقلتُ: أمتحِنُ المسلمين! فتأملتُهم، فقلت: إن كان فيهم صدِّيقٌ ففي هذه الطائفة. فلبَّستُ عليكم. فلما اطلع هذا الشيخ عليَّ
---------------
(¬١) «قال: اعتقدت» ساقط من الأصل، وكذا من (ق، غ).
(¬٢) الرسالة القشيرية (٢/ ٣٩٢).
(¬٣) المصدر السابق (٢/ ٣٩٣).
(¬٤) يعني في بغداد.
(¬٥) (ج، ن، ز): «كتابنا». والمثبت من غيرها موافق لمصدر الخبر.