كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

قال (¬١) تعالى: {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد: ١٤]. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} (¬٢) [فاطر: ٥].
وأعظمُ الناسِ [١٦٢ أ] غرورًا بربِّه مَن إذا مسَّه الله برحمة منه وفضل قال: «هذا لي». أي: أنا أهله، وجدير به، ومستحق له. ثم قال: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [الكهف: ٣٦] فظنَّ أنه أهلٌ لما أُولِيَه (¬٣) من النعم مع كفره بالله. ثم زاد في غروره، فقال: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} [فصلت: ٥٠] يعني: الجنة والكرامة. فهكذا تكون الغِرَّة بالله، فالمغترُّ بالشيطان مغترٌّ بوعوده وأمانيه، وقد ساعده اغترارُه بدنياه ونفسِه، فلا يزال كذلك حتى يتردَّى في آبار الهلاك.
فصل
والفرق بين الرجاء والتمني: أنَّ الرجاء يكون مع بذلِ الجهد واستفراغِ الطاقة في الإتيان بأسباب الظَّفر والفوز. والتمني: حديثُ النفس بحصول ذلك مع تعطيل الأسباب الموصلة إليه. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة: ٢١٨] فطوى سبحانه بساطَ الرجاء إلا عن هؤلاء.
---------------
(¬١) (أ، ق، غ): «وقال».
(¬٢) «وقال ... الغرور» ساقط من الأصل.
(¬٣) (ب): «أوتيه». وفي النسخ المطبوعة: أولاه.

الصفحة 686