كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

وأما الفخر بالنعم، فهو أن يستطيل بها على الناس، ويُريهم أنه أعزُّ منهم وأكبر، فيركبُ أعناقهم، ويستعبدُ قلوبهم ويستميلُها إليه بالتعظيم والخدمة. قال النعمان بن بشير: إنَّ للشيطان مصاليَ (¬١) وفخوخًا. وإنَّ من مصاليه وفخوخهِ البطشَ بنعم الله، والكبرَ على عباد الله، والفخرَ بعطيَّةِ الله، والهونَ (¬٢) في غير ذات الله (¬٣).
فصل
والفرق بين فرح القلب وفرح النفس ظاهر، فإنَّ الفرح بالله ومعرفته ومحبته وكلامه من القلب. قال تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [الرعد: ٣٦]. فإذا كان أهل الكتاب يفرحون بالوحي، فأولياء الله وأتباعُ رسوله أحقُّ بالفرح به.
وقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: ١٢٤].
وقال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: ٥٨].
---------------
(¬١) جمع مِصْلاة. قال أبو عبيد في غريب الحديث (٣/ ٣٩٦): هي شبيه بالشرَك ينصب للطير وغيرها.
(¬٢) كذا في جميع النسخ. وفي مصادر التخريج: «واتباع الهوى».
(¬٣) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٥٥٣)، والخرائطي في اعتلال القلوب (٦٩). وانظر: السلسلة الضعيفة (٢٤٦٣).

الصفحة 694