كتاب الروح - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

قال لعمر بن الخطاب: يا أميرَ المؤمنين، أشياء أسألك عنها. قال: سَلْ عما شئتَ. قال: يا أميرَ المؤمنين، مِمَّ يذكرُ الرجلُ؟ ومِمَّ ينسى؟ وممَّ تصدقُ الرؤيا؟ ومِمَّ تكذبُ؟
فقال له عمر: إنَّ على القلب طَخَاءةً كطخاءة القمر (¬١)، فإذا تغشَّت القلب نسي ابنُ آدم، فإذا انجلتْ ذكَر ما كان نسِي. وأمَّا مِمَّ تصدقُ الرؤيا، ومِمَّ تكذب؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}. فمن دخل منها في ملكوت السماء فهي التي [١٩ ب] تصدقُ، وما كان منها دون ملكوتِ السماء فهي التي تكذب (¬٢).
وروى ابنُ لهيعة عن عثمان بن نُعيم الرُّعيني، عن أبي عثمان الأصبحي، عن أبي الدرداء قال: إذا نام الإنسان (¬٣) عُرِجَ بروحه حتى يُؤتى بها العرش، فإن كان طاهرًا أُذِنَ لها بالسجود، وإن كان جنبًا لم يُؤذنْ لها بالسجود (¬٤).
وروى جعفر بن عون عن إبراهيم الهجَري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إنَّ الأرواحَ جنودٌ مجندةٌ تتلاقى، فتَشامُّ كما تشامّ الخيلُ، فما تعارفَ منا ائتلفَ، وما تناكرَ منها اختلفَ (¬٥).
ولم يزل الناسُ قديمًا وحديثًا تعرفُ هذا وتشاهِدهُ. قال جميل بن مَعمَر
---------------
(¬١) الطخاءة: الغشاء والظلمة والغيم.
(¬٢) أورده الحكيم في نوادر الأصول (١/ ١٦٩) عن ابن عباس.
(¬٣) (ن): «الرجل».
(¬٤) أخرجه ابن المبارك في الزهد (١٢٤٥). وانظر: نوادر الأصول للحكيم (٣/ ٢٢٠).
(¬٥) أخرجه البيهقي في الشعب (٩٠٣٨).

الصفحة 90