كتاب الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

753 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة: قالت: لقد راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلاً قام مقامه أبداً، ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به، فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر.
754 - * روى أبو داود عن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه قال: لما استعز بالنبي صلى الله عليه وسلم - وأنا عنده في نفر من المسلمين - دعاه بلال إلى الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروا من يصلي بالناس" فخرج عبد الله بن زمعة، فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائباً، فقلت: يا عمر، قم فصل، فتقدم فكبر، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته - وكان عمر رجلاً مجهراً - قال: "فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون"، فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس.
زاد في رواية (1) قال: لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت عمر قال ابن زمعة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أطلع رأسه من حجرته، ثم قال: "لا، لا، لا، ليصل بالناس ابن أبي قحافة" قال ذلك مغضباً.
__________
753 - البخاري (8/ 140) 64 - كتاب المغازي - 83 - باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
ومسلم (1/ 313) 4 - كتاب الصلاة - 21 - باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس.
754 - أبو داود (4/ 215)، كتاب السنة، باب في استخلاف أبي بكر رضي الله عنه. وهو حديث حسن.
استعز: بالمريض: إذا غلب على نفسه من شدة المرض، وأصله من العزة، وهي الغلبة والاستيلاء على الشيء.
مجهراً: رجل مجهر، أي: صاحب جهر ورفع لصوته، يقال: جهر الرجل صوته وأجهر: إذا عرف بالجهر، فهو جاهر ومجهر.
يأبى الله ذلك والمسلمون: فيه نوع دلالة على خلافة أبي بكر رضي الله عنه، لأن هذا القول يعلم منه: أن المراد به ليس نفي جواز الصلاة خلف عمر، كيف وهي جائزة خلف غيره من آحاد المسلمين ممن هو دون عمر؟ وإنما أراد به الإمامة التي هي الخلافة والنيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك قال فيه:
"يأبى الله ذلك والمسلمون". وعلى أنه يجوز أن يكون أراد بهذا القول: أن الله يأبى والمسلمون أن يتقدم في الصلاة أحد على جماعة فيهم أبو بكر، حيث هو أكبرهم قدراً ومنزلة وعلماً.
(1) أبو داود (4/ 215)، كتاب السنة، باب في استخلاف أبي بكر رضي الله عنه.

الصفحة 1035