كتاب الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

نظرة عامة على أحداث السنتين العاشرة والحادية عشرة
1 - وصلت الأمة في هاتين السنتين إلى مرحلة النضج وكان ذلك يقتضي لمسات أخيرة، وكانت من علامة النضج أن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة بعده أن تسير من خلال شوراها، ومن أهم اللمسات التي احتاجتها مرحلة الإنضاج إشارته إلى الرجل المؤهل بعده، وإزالة كل ما يمكن أن يستند إليه المغرضون، وإيجاد التطلع نحو العمل الخارجي من خلال بعث أسامة.
2 - وسع عليه الصلاة والسلام في هاتين السنتين دائرة التلقي المباشر منه من خلال استقباله الوفود ومن خلال رحلة الحج، فأوجد قاعدة عريضة تحمل دعوته وقد تلقت عنه مباشرة، وكان لذلك أكبر الأثر في أن تبقى رحى الإسلام دائرة وإلى الأبد.
3 - عندما تنجح الدعوات الصادقة يتوضع على هامشها دعوات كاذبة، ولقد بدأت دعاوى النبوة تظهر في أخريات حياته عليه الصلاة والسلام، فظهر مسيلمة الكذاب في اليمامة، والأسود العنسي في اليمن في السنة العاشرة، وقد أهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قبل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركز على اليمن، ولذلك فقد كفاه أهل اليمن في النهاية هذا الخبيث أما الخبيث الآخر فجاءته جند الله بعد وفاته عليه الصلاة والسلام وأنهته، وهناك متنبآن آخران طليحة الأسدي وسجاح، وكلاهما مات على الإسلام بعد ذلك، ولكن بعد أن استطاع الجيل الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقهر الردة وأهلها.
4 - وبقدر ما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام حيوية في القلوب بفضل الله، فقد كان هناك تيار معاكس - هو تيار الردة - ينتظر الفرصة للظهور. وما أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظهر هذا التيار على أشده، جامعاً كل أولئكم الذين لم يدخل الإسلام إلى قلوبهم والذين قطعت هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم نياط قلوبهم، فأسلموا لأنه لم يكن أمامهم إلا أن يسلموا. فبدأ صراع جديد بين التيارين، تيار الإيمان الصادق وتيار الجهل الماحق، وتغلب تيار الإيمان. وهذا وحده كاف للدلالة على أن قوة التأسيس كانت أكبر من كل قوة أخرى، وذلك توفيق الله أولاً وأخيراً، وفيه يظهر ما أكرم الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من خيرات وبركات.

الصفحة 1054