كتاب الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطنِ بُواطٍ. وهو يطلبُ المجديَّ بن عمرو الجُهنيِّ وكان الناضحُ يعقبهُ منا الخمسةُ والستةُ والسبعةُ. فدارت عُقبةُ رجلٍ من الأنصار على ناضحٍ له فأناخه فركبه. ثم بعثهُ فتلدَّن عليه بعض التلدُّن. فقال له: شأْ لعنك الله. فقال رسول الله: "من هذا اللاعنُ بعيرهُ؟ " قال: أنا يا رسول اله! قال: "انزلْ عنهُ، فلا تصحبنا بملعونٍ. لا تدعُوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكُمْ، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسألُ فيها عطاء، فيستجيبُ لكم".
سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانت عُشيْشيةُ ودنونا ماء من مياه العرب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رجلُ يتقدمنا فيمدُرُ الحوضَ فيشربُ ويسقينا؟ " قال جابر: فقمتُ فقلتُ: هذا رجلٌ، يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّ رجلٍ مع جابرٍ؟ " فقام جبارُ بن صَخْرٍ. فانطلقنا إلى البئر. فنزعنا في الحوض سجلاً أو سجلين. ثم مدرناهُ. ثم نزعنا فيه حتى أفقهناهُ. فكان أول طالعٍ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "أتأذنانِ؟ " قلنا: نعم يا رسول الله! فأشرع ناقتهُ فشربتْ شنق لها فشجتْ فبالتْ. ثم
__________
= يعقبه: التعقب ركوب الرفقة على بعير، واحداً بعد واحد، أي يركب هذا عقب هذا والعُقبة: هي تلك الفعلة.
فتلدن: تلدن البعير: إذا توقف في المشي وتمكث على راكبه.
شأ. لعنك الله: كلمة زجر للبعير.
عُشيشيةٌ: تصغير عشية على غير قياس.
مدرتُ الحوض: لطخته بالطين تصلحه به وتسدُّ ثقبه.
السجل: الدلو العظيمة.
نزعت الدلو: جذبتُها واستقيت بها الماء من البئر.
أفقهتُ الحوض: ملأته.
أشرع ناقته: إذا أوردها الماء.
شنق لبعيره: جذب زمامه إليه بعد أن كان أرخاه.
فشجت: أي قطعت الشرب، ومنه شججتُ المفازة: قطعتها بالسير هذا الذي فسره الحميدي في شرح كتابه "الجمع بين الصحيحين" والذي رواه الخطابيُّ في غريبه قال: "فأِرع ناقته فشربت، وشنق لها ففشجت وبالت"، وقال: معناه: تفاجت: وفرقت ما بين رجليها لتبول، والذي جاء في كتاب مسلم "فشجت" كما رواه الحميدي بتشديد الجيم، والله أعلم. =

الصفحة 1162