كتاب الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية (اسم الجزء: 4)

يعتذر إليهم يها مما كان وقع من الأثرة لبعض أقاربه، ويشهدهم عليه بأنه قد تاب من ذلك، وأناب إلى الاستمرار على ما كان عليه من سيرة الشيخين قبله، وأنه لا يحيد عنها، كما كان الأمر أولاً في مدة ست سنين الأول، استمع عثمان هذه النصيحة، وقابلها بالسمع والطاعة، ولما كان يوم الجمعة وخطب الناس، رفع يديه في أثناء الخطبة، وقال: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك، اللهم إني أول تائب مما كان مني، وأرسل عينية بالبكاء بكي المسلمون أجمعون، وحصل الناس رقة شديدة على إمامهم، وأشهد عثمان الناس على نفسه بذلك، وأنه قد لزم ما كان عليه الشيخان، أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وأنه قد سبل بابه لمن أراد الدخول عليه، لا يمنع أحد من ذلك، ونزل فصلى بالناس ثم دخل منزله وجعل من أراد الدخول على أمير المؤمنين لحاجة أو مسألة أو سؤال، لا يمنع أحد من ذلك مدة.
ثم ذكر ابن كثير: أن مروان بن الحكم لم يرق له أن يظهر عثمان بهذا الضعف، وأنه - أي مروان - تصرف تصرفات أغضبت علياً رضي الله عنه لدرجة أنه قرر ألا يتدخّل مرّة أخرى، ولما تسامعت أحزاب الفتنة بذلك ادّعوا دعوي وعادوا إلى المدينة.

ذكر مجيء الأحزاب إلى عثمان للمرة الثانية في مصر:
وذلك أن أهل الأمصار لما بلغهم خبر مروان، وغصب علي على عثمان بسببه، ووجدوا الأمر على ما كان عليه لم يتغير ولم يسلك سيرة صاحبيه، تكاتب أهل مصر وأهل الكوفة وأهل البصرة وتراسلوا، وروت كتب على لسان الصحابة الذين بالمدينة، وعلى لسان علي وطلحة والزبير، يدعون الناس إلى قتال عثمان ونصر الدين، وأنه أكبر الجهاد اليوم، وذكر سيف بن عمر التميمي عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان، وقاله غيرهم أيضاً، قالوا: لما كان في شوال سنة خمس وثلاثين، خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء، المقلل لهم يقول ستمائة، والمكثر يقول: ألف، على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر الليثي، وسودان بن حمران السكوني، وقتيرة الكوني وعلى القوم جميعاً الغافقي بن حرب العكي، وخرجوا فيما يظهرون حجاجاً، ومعهم ابن السوداء - وكان أصله ذمياً فأظهر الإسلام وأحدث بدعاً قولية وفعلية، قبحة الله- وخرج

الصفحة 1649