كتاب الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

* كما أن فتح مكة كان من الناحية الاستراتيجية فتحاً للجزيرة العربية كلها، فإن الإعلان في حج هذا العام ألا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف به عريان كان من الناحية الاستراتيجية إنهاء للشرك في جزيرة العرب.
* الملاحظ أن الوفود قبل الفتح كانت فردية في الغالب أما بعد الفتح فقد كانت جماعية.
* بعد سير طويل لم يبق فيه لأحد حجة أصبح الحساب عسيراً، فما لم يكن يحاسب عليه الصف لم يعد يتحمل من الصف ولم يعد يتساهل فيه، فيوم أحد انفصل ثلث الجيش ولم يحاسب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً ولم يعاقبه، ولكنه ههنا حاسب وعاقب كما فعل بكعب وزميليه، ذلك أنه لم يعد لأحد حجة، فالمعجزات كثيرة، والقيادة على مستوى ليس له مثيل، ونجاحاتها متلاحقة وآفاقها أرقى من كل أفق، ومن ههنا نأخذ درساً وهو أن الصف الإسلامي عندما يكون مريضاً أو ضعيفاً لا ينبغي أن يتشدد بالحساب وإنما عليه في هذه الحالة أن يعالج أزمة الثقة وأن يحسن التخطيط والانتقال من الطور الأدنى إلى ما هو أعلى.
* من خلال غزوة تبوك ونزول سورة براءة فيها ندرك أن الجهاد هو المحك، فهو المحك لإيمان الأشخاص، وهو المحك لنضج الصف، وهو المحك للحالة التي وصلت إليها الأمة.
* بغزوة تبوك نقل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصراع من داخل الجزيرة العربية إلى خارجها، وهي السياسة التي سيتابعها أبو بكر وعمر وعثمان حتى حدوث الفتنة. وهذه السياسة تحقق أكثر من هدف بآن واحد: شغل الناس بالعدو الخارجي، وفي الوقت نفسه تربية الصف وإنضاجه وتفتيح آفاقه من خلال الجهاد، فهناك رسالة لشعب يجب أن يؤديها.
* توطد في السنة التاسعة سلطان الدولة الإسلامية وتأكد، وأصبحت سيطرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزيرة العربية كاملة، وليس له من عدو إلا مطارداً. وبعد أن كان المسلمون أفراداً في بحار شرك أصبح المشركون جزراً صغيرة في بحار الإسلام، وهم محكومون بحكمه، مطاردون مستهدفون ممنوعون من الحج إلا بالإسلام. مجبرون على الإسلام ودفع الزكاة. وكل ذلك كان مقدمة لحج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام العاشر ليجتمع بأكبر قدر من الناس في جزيرة العرب فيعلمهم ويربيهم ويصهرهم.
* * *

الصفحة 995