كتاب الأساس في التفسير (اسم الجزء: 5)

فائدة:
ننقل هنا ما قاله صاحب الظلال في الآية التي بدأت بها المجموعة قال: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ .. من المطر الذي يحيي الأرض وينبت الزرع، ومن طعام الأرض نباتها وطيرها وأسماكها وحيوانها، ثم سائر كانوا يحصلون عليه من الأرض لهم ولأنعامهم. وذلك بطبيعة الحال ما كانوا يدركونه حينذاك من رزق السماء والأرض. وهو أوسع من ذلك بكثير. وما يزال البشر يكشفون كلما اهتدوا إلى نواميس الكون- عن رزق بعد رزق في السماء والأرض يستخدمونه أحيانا في الخير ويستخدمونه أحيانا في الشر حسبما تسلم عقائدهم أو تعتل. وكله من رزق الله المسخر للإنسان. فمن سطح الأرض أرزاق ومن جوفها أرزاق. ومن سطح الماء أرزاق ومن أعماقه أرزاق. ومن أشعة الشمس أرزاق ومن ضوء القمر أرزاق. حتى عفن الأرض كشف فيه دواء وترياق! أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ .. يهبها القدرة على أداء وظائفها أو يحرمها، ويصححها أو يمرضها. ويصرفها إلى العمل أو يلهيها، ويسمعها ويريها ما تحب أو ما تكره .. ذلك ما كانوا يدركونه يومئذ من ملك السمع والأبصار.
وهو حسبهم لإدراك مدلول هذا السؤال وتوجيهه. وما يزال البشر يكشفون من طبيعة السمع والبصر، من دقائق صنع الله في هذين الجهازين ما يزيد السؤال شمولا وسعة.
وإن تركيب العين وأعصابها وكيفية إدراكها للمرئيات، أو تركيب الأذن أو جزائها وطريقة إدراكها للذبذبات، لعالم وحده يدير الرءوس، عند ما يقاس هذا الجهاز أو ذاك إلى أدق الأجهزة التي يعدها الناس من معجزات العلم في العصر الحديث! وإن كان الناس يهولهم ويروعهم ويبهرهم جهاز يصنعه الإنسان، لا يقاس في شئ إلى صنع الله.
بينما هم يمرون غافلين بالبدائع الإلهية في الكون وفي أنفسهم كأنهم لا يبصرون ولا يدركون! وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ .. وكانوا يعدون الساكن هو الميت والنامي- أو المتحرك- هو الحي. فكان مدلول السؤال عندهم مشهودا في خروج النبتة من الحبة، والحبة من النبتة، وخروج الفرخ من البيضة، والبيضة من الفرخ .. إلى آخر هذه المشاهدات. وهو عندهم عجيب. وهو في ذاته عجيب، حتى بعد أن عرف أن الحبة والبيضة وأمثالهما ليست في الموتى بل في الأحياء، بما فيها من حياة كامنة واستعداد. فإن كمون الحياة بكل استعداداتها ووراثاتها وسماتها وشياتها لأعجب العجب الذي تصنعه قدرة الله .. وإن وقفة أمام الحبة والنواة، تخرج منهما النبتة والنخلة، أو أمام البيضة والبويضة يخرج منهما الفرخ والإنسان لكافية

الصفحة 2453