كتاب الأساس في التفسير (اسم الجزء: 5)

عالم الغيب وعالم الشهادة سواء .. وعند ما يكون التركيز في موضع آخر على التعريف بحقيقة الكون تتجلى العلاقة بين «حقيقة الألوهية» و «حقيقة الكون» ويتطرق السياق كثيرا إلى حقيقة الحياة والأحياء، وإلى سنن الله في الكون والحياة .. وعند ما يكون التركيز على «حقيقة الإنسان» يتجلى ارتباطها بحقيقة الألوهية وبالكون والأحياء، وبعالم الغيب وعالم الشهادة على السواء .. وعند ما يكون التركيز على الدار الآخرة تذكر الحياة الدنيا وترتبطان بالله وبسائر الحقائق الأخرى .. وكذلك عند ما يكون التركيز على قضايا الدنيا .. إلى آخر النسق من العرض، الواضح الملامح في القرآن.
وثالثا: بكونه- مع تماسك جوانب «الحقيقة» وتناسقها- يحافظ تماما على إعطاء كل جانب من جوانبها- في الكل المتناسق- مساحته التي تساوي وزنه الحقيقي في ميزان الله- وهو الميزان- ومن ثم تبدو «حقيقة الألوهية» وخصائصها، وقضية «الألوهية والعبودية» بارزة مسيطرة محيطة شاملة؛ حتى ليبدو أن التعريف بتلك الحقيقة وتجلية هذه القضية هو موضوع القرآن الأساسي. وتشغل حقيقة عالم الغيب- بما فيه القدر والدار الآخرة- مساحة بارزة. ثم تنال حقيقة الإنسان، وحقيقة الكون، وحقيقة الحياة، أنصبة متناسقة تناسق هذه الحقائق في عالم الواقع. وهكذا لا تدغم حقيقة من الحقائق، ولا تهمل، ولا تضيع معالمها في المشهد الكلي الذي تعرض فيه هذه الحقائق. وكما أن هذه الحقائق لا يطغى بعضها على بعض في التصور الإسلامي في ذاته- كما بينا في فصل «التوازن» في القسم الأول- حيث لا ينتهي الإعجاب بالكون المادي ودقة نواميسه وتناسق أجزائه وقوانينه إلى تأليهه- كمؤلهة العوالم المادية والأكوان الطبيعية قديما وحديثا- ولا ينتهي الإعجاب بعظمة الحياة واهتدائها إلى
وظائفها وتناسقها مع نفسها ومع المحيط الكوني إلى تأليهها- كأصحاب المذهب الحيوي- ولا ينتهي الإعجاب بالإنسان، وتفرده في خصائصه والاستعدادات الكامنة في كياناته المنطلقة في تعامله مع الكون، إلى تأليه الإنسان- أو العقل- في صورة من الصور- كالمثاليين في عمومهم- ولا ينتهي الإجلال للحقيقة الإلهية في ذاتها إلى إنكار وجود العوالم المادية أو احتقارها أو احتقار الكائن الإنساني- كالمذاهب الهندوكية والبوذية والنصرانية المحرفة- كما أن هذا التوازن هو طابع التصور الإسلامي ذاته، فكذلك هو طابع منهج العرض القرآني لمقومات هذا التصور والحقائق التي يقوم عليها بحيث تبدو كلها واضحة في المشهد الفريد الذي يرسمه للكل في السياق القرآني الواحد. وهي خاصية قرآنية لا يملكها الأداء الإنساني.

الصفحة 2470