كتاب الأساس في التفسير (اسم الجزء: 8)

كلمة في السياق: [حول صلة قصة نوح عليه السلام ببداية السورة وما بعدها]
نلاحظ أن بداية السورة تحدثت عن الامتحان، ثم سار السياق فأشعرنا أنّ النصر في النهاية لأهل الإيمان. وجاءت بعد ذلك قصة نوح عليه السلام لترينا مقدار صبر الأنبياء، وقوة استمرارهم مع شدة الظروف، وكيف أن العاقبة تكون لهم، ومن ثمّ ذكرت الآيتان اللتان مرّتا بقاء نوح يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، مع شدّة المقاومة والاستهزاء والامتحان والفتنة، هذا الزمن الطويل، ومع ذلك كان الصبر، وكان مع الصبر النصر، فهذا أول نموذج على صبر أهل الإيمان على الامتحان، ولهذا لم يرد تحديد للمدة التي قضاها نوح عليه السلام إلا في هذه السورة. وفي قوله تعالى:
أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً نكتة عبّر عنها النسفي فقال: (ولم يقل تسعمائة وخمسين سنة؛ لأنّه لو قيل ذلك لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره، وهذا التوهم زائل هنا، فكأنه قيل تسعمائة وخمسين سنة كاملة، وافية العدد، إلّا أن ذلك أخصر وأعذب لفظا، وأملأ بالفائدة، ولأن القصة سيقت لما ابتلي به نوح عليه السلام من أمّته، وما كابده من طول المصابرة تسلية لنبينا عليه الصلاة والسلام، فكان ذكر الألف أفخم وأوصل إلى الغرض).
ولنعد إلى التفسير. فبعد التمثيل بقصة نوح عليه السلام يضرب الله المثل بإبراهيم:
...
وَإِبْراهِيمَ أي واذكر إبراهيم إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ أي أخلصوا له العبادة والخوف ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي إذا فعلتم ذلك حصل لكم الخير في الدنيا والآخرة، واندفع عنكم الشرّ في الدنيا والآخرة.
إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً أي أصناما وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً أي وتصنعون كذبا. واختلاقهم الإفك تسميتهم الأوثان آلهة وشركاء لله إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً أي لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئا من الرزق فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ فإنه هو الرزاق وحده لا يرزق غيره؛ فاطلبوا الرزق منه عزّ وجل وحده وَاعْبُدُوهُ
وحده وَاشْكُرُوا لَهُ على ما أنعم به عليكم إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي يوم القيامة فيجازي كل عامل بعمله
وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ كقوم نوح وإدريس وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أي وإن تكذبوني فلا تضروني بتكذيبكم؛ فإنّ الرسل قبلي قد كذّبتهم أممهم

الصفحة 4191