كتاب الأساس في التفسير (اسم الجزء: 8)

وما ضرّوهم، وإنّما ضرّوا أنفسهم حيث حلّ بهم العذاب بسبب تكذيبهم، وأمّا الرّسول فقد تم أمره حيث بلّغ البلاغ المبين، الذي زال معه الشك، وهو اقترانه بآيات الله ومعجزاته. أي وإن كنت مكذّبا فيما بينكم، فلي في سائر الأنبياء أسوة، حيث كذّبوا، وعلى الرسول أن يبلّغ، وما عليه أن يصدّق أو يكذّب.

كلمة في السياق:
يلاحظ أنّه قد جاء في وسط قصة إبراهيم عليه السلام الآية السابقة، وست آيات بعدها. ثم يأتي قوله تعالى: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ ... فهل هذه الآيات السبع من جملة قول إبراهيم عليه السلام لقومه؟ وهذا الذي رجّحه ابن كثير فقال:
(والظاهر من السياق أنّ كلّ هذا من كلام إبراهيم الخليل عليه السلام، يحتج عليهم لإثبات المعاد لقوله بعد هذا كله: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ لكن ابن جرير يرى أن هذه الآيات السبع اعتراضية). وذكر النسفي الاحتمالين. وحاول الربط بين الآيات وما قبلها في حالة كونها اعتراضية، دون أن يرجّح أحد الاحتمالين على الآخر.
قال: (فإن قلت فالجمل الاعتراضية لا بد لها من اتصال بما وقعت معترضة فيه، فلا نقول: مكة وزيد قائم خير بلاد الله، قلت: نعم وبيانه أن إيراد قصة إبراهيم عليه السلام ليس إلا إرادة للتنفيس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأن تكون مسلاة له بأن أباه إبراهيم عليه السلام كان مبتلى بنحو ما ابتلي به من شرك قومه، وعبادتهم الأوثان، فاعترض بقوله: وإن تكذبوا على معنى: إنكم يا معشر قريش إن تكذبوا محمدا صلّى الله عليه وسلم فقد كذب إبراهيم قومه، وكل أمة نبيها، لأن قوله فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ لا بد من تناوله لأمة إبراهيم، وهو كما ترى اعتراض متصل، ثم سائر الآيات بعدها من توابعها لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله، وهدم الشرك وتوهين قواعده، وصفة قدرة الله تعالى وسلطانه ووضوح حجّته وبرهانه).
أقول: إن الذي أرجحه أن الآية الأولى من هذه الآيات السبع هي من تتمة قول إبراهيم عليه السلام وهي: وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ والآيات الست بعدها اعتراضية هي من باب الإنكار عليهم وعلى أمثالهم، وإقامة حجّة عليهم وعلى أمثالهم. فهي تعليق من الله عزّ وجل على ما ذكر من قصة نوح وإبراهيم عليهما السلام، تؤدّي غرضا في السياق القريب فلنلاحظ ما يلي:
قبل قصة نوح وإبراهيم عليهما السلام ورد قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا

الصفحة 4192