كتاب الأساس في التفسير (اسم الجزء: 10)

فأكدت سعة الكون بما لم يكن يخطر على قلب بشر من قبل، ولكن تبين أن الكون في حالة توسع مطرد، فقد لوحظ من خلال الرصد أن مجرات الكون تنطلق بعيدا عن مركز الكون بسرعة هائلة، ولقد قالوا: إن النظرية الوحيدة من نظريات أينشتاين التي نقضها العلماء هي نظريته في ثبات الكون (راجع العدد الذي يتحدث عن أينشتاين من سلسلة اقرأ) والملاحظ أن قوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ قد استعمل فيه اسم الفاعل (موسع) واسم الفاعل في اللغة العربية يفيد- في بعض الحالات- الاستمرار، ومن ثم فإن الآية هنا تشير إلى سعة الكون من ناحية، كما تشير إلى موضوع تمدد الكون وتوسعه المطرد، وفي ذلك ما فيه من إعجاز وسع به هذا القرآن الزمان والمكان، فالذين يريدون أن يعطلوا العمل بهذا القرآن بسبب تقدم العلوم عليهم أن يراجعوا أنفسهم قبل فوات الأوان.
11 - بمناسبة قوله تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ قال ابن كثير: (أي جميع المخلوقات: أزواج، سماء وأرض، وليل ونهار، وشمس وقمر، وبر وبحر، وضياء وظلام، وإيمان وكفر، وموت وحياة، وشقاء وسعادة، وجنة ونار، حتى الحيوانات والنباتات، ولهذا قال تعالى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي:
لتعلموا أن الخالق واحد لا شريك له).
أقول: في عصرنا اتضح معنى الزوجية بشكل أوسع حتى شمل الحيوان والنبات والجماد والمجرات، فما من ذرة إلا وعنصر الزوجية فيها موجود، والآية قالت:
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ فكان فيما اكتشفه الإنسان حتى الآن في هذا الموضوع معجزة من معجزات القرآن.
12 - إن على الدعاة إلى الله أن يفطنوا إلى دقائق في التربية والدعوة تعرضها علينا نصوص الكتاب والسنة، لأن التفطن لذلك يختصر لنا الطريق، فمثلا ختمت سورة (ق) بقوله تعالى فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ فالذي لا يخاف وعيد الله له خطاب آخر، أما الذي يخاف وعيد الله، فيكفي أن نذكره بالقرآن، حتى يثوب، ومن ثم فعلى المؤمنين أن يذكر بعضهم بعضا بالقرآن إذا رأوا انحرافا من أنفسهم عنه، وفي قوله تعالى في سورة الذاريات: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ما يدل على أن التذكير لا بد أن ينتفع به المؤمن، ومن ثم فلا يصح أن يقول أحد منا: لا فائدة من الكلام فيسكت، سواء مع إخوانه، أو مع المسلمين، فالمسلمون بفضل الله لا زال

الصفحة 5530