كتاب الأساس في التفسير (اسم الجزء: 10)

في قلوبهم إيمان، والذين قبلوا حمل دعوة الله هم مظنة الخير، وعلى الواحد منا أن يذكر حيثما وجد فرصة، فلا بد أن تترك الذكرى أثرها في نفس المؤمن إن لم يكن حالا فمآلا، إن من أخطر أمراض المسلمين أن ينتشر بينهم الشعور بأنه لا فائدة من التذكير أو العمل.
إن على كل مسلم أن يرث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة التذكير لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ورسولنا عليه الصلاة والسلام أمرنا بالتبليغ، والناس أمامنا قسمان: مؤمنون وكافرون، والكافرون قسمان: قسم ليس لوعيد الله في قلبه محل، وقسم لا زال لوعيد الله في قلبه محل، فأما المؤمن فلا شك أن الذكرى تنفعه، وأما من كان في قلبه محل لوعيد الله فربما انتفع بالتذكير في القرآن، هذا عمر كان كافرا فأسلم على أثر قراءته لشئ من القرآن، كما تذكر بعض الروايات، وأما من ليس في قلبه محل للخوف من وعيد الله، فهذا نقطة البداية في حقه أن تقيم عليه الحجة بوجود الله ثم تسير.
13 - بمناسبة قوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قال صاحب الظلال: (إن معنى العبادة- التي هي غاية الوجود الإنساني، أو التي هي وظيفة الإنسان الأولى- أوسع وأشمل من مجرد الشعائر؛ وإن وظيفة الخلافة داخلة في مدلول العبادة قطعا. وإن حقيقة العبادة تتمثل إذن في أمرين رئيسيين:
الأول: هو استقرار معنى العبودية لله في النفس. أي استقرار الشعور على أن هناك عبدا وربا. عبدا يعبد. وربا يعبد. وأن ليس وراء ذلك شئ؛ وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار. ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود؛ وإلا رب واحد والكل له عبيد.
والثاني: هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير، وكل حركة في الجوارح، وكل حركة في الحياة. التوجه بها إلى الله خالصة، والتجرد من كل شعور آخر؛ ومن كل معنى غير معنى التعبد لله.
بهذا وذلك يتحقق معنى العبادة؛ ويصبح العمل كالشعائر، والشعائر كعمارة الأرض، وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد والرضى بقدر الله .. كلها عبادة؛ وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها؛ وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شئ لله

الصفحة 5531