كتاب الأساس في التفسير (اسم الجزء: 11)

بقوله تعالى في الآيات الأولى من سورة البقرة: وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ واضحة، ثم هي تتحدث عن مآل المسلمين ومآل الكافرين، وصلة ذلك بالكلام عن المتقين والكافرين في أوائل سورة البقرة واضحة، كما هي تتحدث عن سبب تعذيب الكافرين إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ* وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ وصلة ذلك بقوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ واضحة، وتتحدث عن القرآن: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ* وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ* تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ...
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ... وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ* وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ وصلة ذلك بقوله تعالى في مقدمة سورة البقرة: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ واضحة، وهذا كله يؤكد أن سورة الحاقة بداية مجموعة.
يبقى أن نتساءل عن سر التشابه بين سورة الحاقة وسورة الواقعة؟ أقول: إن اليوم الآخر يدفع للعمل كما يدفع للإيمان، وقد جاءت سورة الواقعة تفصل في ما بعد مقدمة سورة البقرة، وجاءت سورة الحاقة تفصل في مقدمة سورة البقرة وبين المقامين تداخل، فالكلام عن اليوم الآخر دافع للتحلي، كما هو دافع للتخلي، ودافع للإيمان كما أنه دافع للعمل، ومن ثم تقدم الحديث عن اليوم الآخر في السورتين للوصول إلى ما ينبغي أن يبنى عليه، على أن كلا من السورتين تخدم محورها بشكل رئيسي.
ومع أن هناك تشابها في السورتين فإن لكل سورة روحها وسياقها الخاص بها، ومعانيها وألفاظها، وطريقة عرضها، وكل من السورتين على غاية من الكمال والبيان، مما يدلك على أن هذا القرآن من عند الله، فإن نرى معنى واحدا يعرض بعشرات الطرق، وفي كل مرة تجد عرضا على غاية من الكمال والعلو في موضوع لم يطرقه العرب أصلا فذلك شأن غير مستطاع للبشر.
إن سورة الواقعة وسورة الحاقة نموذجان على السور التي تعرض اليوم الآخر، ثم تبني على ذلك ما ينبغي أن يبنى عليه من بناء، إن في مجال الإيمان، أو في مجال العمل.

الصفحة 6106