كتاب الأساس في التفسير (اسم الجزء: 11)
أقول: يمكن أن يكون المراد بالخير في هذا السياق ما هو أعم من المال. من ما يدخل في كل ما يعتبره الإنسان خيرا لنفسه. قال ابن كثير: ثم قال تبارك وتعالى مزهدا في الدنيا، ومرغبا في الآخرة، ومنبها على ما هو كائن بعد هذه الحال وما يستقبله الإنسان من الأهوال
أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ أي: أفلا يعلم الإنسان إذا بعث من في القبور من الموتى، وقال ابن كثير: أي: أخرج ما فيها من الأموات
وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ قال النسفي: أي ميز ما فيها من الخير والشر. قال ابن عباس وغيره:
يعني: أبرز وأظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ قال النسفي: أي: لعالم، فيجازيهم على أعمالهم من الخير والشر. وخص (يومئذ) بالذكر وهو عالم بهم في جميع الأزمان، لأن الجزاء يقع يومئذ، وقال ابن كثير: أي العالم بجميع ما كانوا يصنعون ومجازيهم عليه أوفر الجزاء، ولا يظلم مثقال ذرة.
كلمة في السياق:
انصب السياق على ذكر طبيعة الإنسان فهو كنود ويحب المال والمنافع الدنيوية، وذكرت السورة علاج هاتين الصفتين، وذلك يكون بتذكر البعث، وما يكون فيه من تحصيل ما في الأنفس، وعلم الله عزّ وجل بها، إن هذا التذكر هو الذي يحرر الإنسان من كنوده، وحبه الشديد للمال حتى لا يلقى الله عزّ وجل بأمراضه المخجلة تلك، فإذا علم الإنسان ذلك تحرر من الكفر، وأقبل على الإيمان والصلاة والإنفاق، واتباع كتاب الله عزّ وجل، فلا صارف يصرف عن هذه الأشياء مثل جحود نعم الله عزّ وجل ومحبة الدنيا، ومن هذا الذي ذكرناه ندرك سياق السورة الخاص، وصلتها بمحورها أي:
بمقدمة سورة البقرة، فالسورة تحرر الإنسان مما يمنعه من التحقق بصفات المتقين، إن الجحود لنعم الله عزّ وجل ينتج عن الكفران الذي لا يرافقه اعتراف ولا عبودية، ومن ثم فلا إيمان ولا صلاة ولا اتباع كتاب. وإن حب المال ينتج عنه حجب الحقوق، وعدم الإنفاق وينتج عنه، قبول الفتنة في أمر الإسلام.
وإن ما بين قوله تعالى في هذه السورة: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ .. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ. وبين قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ لصلة، فمن الصوارف التي تصرف الإنسان عن قبول الإنذار شحه وحبه للدنيا.
الصفحة 6646
6799