كتاب الأساس في التفسير (اسم الجزء: 11)

نفهم من سورة النصر أن النعمة ينبغي أن تقابلها عبادة. فالفتح والنصر والدخول في دين الله أفواجا نعم، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقابلها بالتسبيح بحمد الله والاستغفار، وهو أصل رأيناه في محور السورة، إذ أمر الله عزّ وجل بعبادته وتوحيده في سياق الحديث عن نعمه العامة، وهذا الأصل ترى فروعه في هذه السورة التي تبين أن نعمة أخرى من نعمه تقتضي عبادة من تسبيح واستغفار، ولذلك صلته بمحور السورة من سورة البقرة.
ومن الآيات الخمس التي تشكل محور سورة النصر نعلم أن هناك كافرين ومرتابين، وهذه السورة تبين لنا أن العاقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، والسورة تأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالة النصر والفتح والإسلام بأن يسبح ويستغفر شكرا واعترافا بالقصور وهضما للنفس، وهو درس للأمة، وهذا مظهر آخر من مظاهر صلة السورة بمحورها في الآيات الخمس الآتية بعد مقدمة سورة البقرة، والمظهر الأول والأعلى للصلة بالمحور هو أن التسبيح بحمد الله توحيد وعبادة وشكر، وأن الاستغفار عبودية وافتقار.
وأما صلة سورة النصر بما قبلها، من حيث إن سورة الكافرون تتحدث عن المفاصلة بين المسلمين والكافرين، ومن قبل ذكرت سورة الكوثر ما يفيد أن هناك مبغضين وشانئين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك يشعر بالصراع بين جهتين: أهل الإيمان، وأهل الكفر. وتأتي سورة النصر ليفهم منها أن العاقبة حتما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نصر الله آت، وأن الفتح آت، وأن الدخول في دين الله أفواجا آت لا محالة؛ ولذلك فإن السورة تأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينبغي أن يفعله وقتذاك. فالسورة واضحة الصلات بما قبلها، وسنرى صلتها بما بعدها. وكالعادة في كل سورة جديد، ولنكتف بهذا القدر.
ولنبدأ عرض السورة.

الصفحة 6728