كتاب الصلاة - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: المقدمة)
وأنه يمتنع أن يكون لهؤلاء هذا القدر اليسير من الإيمان ثم يظنُّ أنَّهم من أهل الصلاة؛ إذ يُقال: أين ذهب ثواب الصَّلاة الكثير لو كانوا من المصلِّين؟
= فالجواب عن هذا من وجوهٍ:
الأول: أنَّ المفهوم يفسد بمعارضة منطوق الحديث له؛ فقد دلَّ منطوق الحديث صراحةً على أنَّ هؤلاء المشفوعين كانوا من المصلِّين؛ حيث إنَّه ذكر كلام الشُّفعاء وأنَّهم قالوا لربِّهم للشفاعة في إخوانهم: «ربَّنا إخواننا، كانوا يصلُّون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا .. ».
ففي هذا النصِّ ما يصرِّح أنَّ هؤلاء الموصوفين بهذا القدر الضَّئيل من الإيمان كانوا يصلُّون مع إخوانهم، ويعملون معهم في الدنيا، فلم يبق لذاك المفهوم قوَّة يحتجُّ بها.
الوجه الثاني: يُجاب عمَّا ذُكِر من أنَّ وصف أهل الصلاة والصيام ــ وثوابهما عظيمٌ عند الله ـ بهذا القدر اليسير من الإيمان في قلوبهم ممتنعٌ، وأنَّه لا يمكن دفع هذا إلا بافتراض كونهم تاركين للأعمال في الدنيا =بأنَّه غير مسلَّمٍ؛ إذ لا يمتنع أنَّ يكون ثواب تلك الأعمال قد ذهب بالمقاصَّة والحساب، أوبالحبوط في الدنيا؛ فصار فاعلوها شبْهَ من لم يعمل خيرًا قط، لا صلاةً ولا صيامًا، ولا غير ذلك.
ويدلُّ على هذا المعنى دلائل كثيرة من الكتاب والسُّنَّة، ومنها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتدرون ما المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ المفلس من
الصفحة 23
56