كتاب الصلاة - ابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: المقدمة)

في الدنيا؛ إذْ يقال: لو لم يكونوا من أهل الصلاة كيف تكون لهم آثار سجود؟ وأيُّ سجود فعلوه حتَّى تبقى آثاره على صورهم؟!
الوجه الرابع: أمَّا استدلالهم بقوله في آخر الحديث: «فيقول الجبَّار: بقِيَت شفاعتي، فيقبض قبضةً من النَّار فيخرج أقوامًا قد امتَحَشُوا، فيُلْقَون في نهرٍ بأفواه الجنَّة، يُقَال له «ماء الحياة»، فينبتون في حافتَيْه كما تنبت الحِبَّة في حميل السَّيل .. ». إلى أن قال: «فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنَّة: هؤلاء عتقاء الرَّحمن، أدخلهم الجنَّةَ بغير عملٍ عملوه ولا خيرٍ قَدَّموه، فيُقَال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه» =وأنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وصفهم بأنَّهم يدخلون الجنَّة بغير عملٍ عملوه ولا خيرٍ قَدَّموه، وأنَّه يدلُّ على أنَّ تارك الصلاة داخلٌ في مثل هذا الوعد بالخروج من النَّار مآلًا.
فالجواب: أنَّه لا يفهم من قوله: «بغير عملٍ عملوه ولا خيرٍ قَدَّموه»، وفي رواية مسلم: «لم يعملوا خيرًا قط» = نفي حصول العمل منهم مطلقًا؛ بل نفي تمامه أوحصول ثوابه أوبقائه لهم. ومثل هذا الاستعمال سائغٌ في لغة العرب، وبه جاءت بعض النصوص.
وممَّا يؤكِّد هذا الاستعمال عندهم، وأنَّه ليس المراد به ظاهره من نفي الخيريَّة والعمل مطلقًا حديث أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يؤتى بأنعم أهل الدُّنيا من أهل النَّار يوم القيامة فيُصبغ في النَّار صبغة، ثُمَّ

الصفحة 25