كتاب الأحكام الصغرى (اسم الجزء: 1)

3 - نشأته ومعالم حياته:
نشأ أبو محمد في إشبيلية، وليس لدينا تصور واضح عن نشأته المبكرة وأسرته، وتعدُّ هذه الفترة التي عاش فيها أبو محمد في إشبيلية، من أخصب الفترات بالنسبة لشيوع العلوم العربية والإِسلامية، ولا ريب أن ذلك كان له أبلغ الأثر في تكوين شخصية أبي محمد، فتلقى الحديث والفقه واللغة وغيرها من كبراء مشايخ إشبيلية، واجتهد في التحصيل والحفظ والإِتقان، وتلمذ لشيخ المقرئين والمحدثين وخطيبها أيى الحسن شريح بن محمد الرُّعيني (¬1)، وهو آخر من أجاز له مروياته وتواليفه أبو محمد بن حزم الظاهري.
وفي سنة (541) هـ وقعت فتنة كبرى في إشبيلية، وذلك أن الموحدين قضوا على المرابطين في المغرب، ثم اتجهوا إلى الأندلس، ودخلوا إشبيلية في (12/ 8/ 541) هـ بعد حصار (¬2)، فاستحل الموحدون سفك الدماء فيها ونهب الأموال.
فخرج منها أبو محمد إلى "لَبْلَة (¬3) " وقد ناهز الثلاثين من عمره المبارك، واستقر فيها بضبع سنين، سمع في غضونها أكابر علمائها، وأشاهر حفاظها، وتلمذ لهم، ولازم منهم أبا الحسن خليل بن إسماعيل السكوني (1)، وأبا جعفر أحمد بن أيى مروان (1)، مؤلف "المنتخب المنتقى" الذي بنى عليه عبدُ الحق أحكامه، ويبدو أن أبا محمد قد تأهل علمياً في لَبْلَة، إذ ألَّف كتابين كبيرين نُهبا منه فيما بعد في فتنة أخرى، عنيت بالكتابين: "الجامع الكبير في الحديث" و "جامع الكتب الستة".
لكن الفتن والحروب لم تلبث أن عكرمة عليه صفوة هذا الهدوء، إذ اقتحم
¬__________
(¬1) ستأتي ترجمته محمد ذكر أشياخه.
(¬2) انظر عصر المرابطين والموحدين: (1/ 325 - 326).
(¬3) لبلة: قصبةُ كورة (أي وسط قرية) بالأندلس، يتصل عملها بعمل أكشونية شرقي اكشونية وغرب قرطبة، غزيرة التمر والشجر، كذا في مراصد الإطلاع: (3/ 1197).

الصفحة 23