كتاب الأحكام الصغرى (اسم الجزء: 1)

العقل والنقل (¬1) " أنه "لم يذكر في مرشدته شيئاً من إثبات الصفات وْلا إثبات الرؤية، ولا قال: إن كلام الله غير مخلوق، ونحو ذلك من المسائل التي جرت عادة مثبتة الصفات بذكرها ... " وقال الذهبي: "كان لهجا بعلم الكلام، خائضا في مزالّ الأقدام، ألف عقيدة لقَّبها بالمرشدة، فيها توحيد وخير بانحراف! فحمل عليه أتباعه وسماهم الموحدين، ونبذ من خالف المرشدة بالتجسيم، وأباح دمه، نعوذ بالله من الغي والهوى (¬2) ".
قال اليسع بن حزم: سمَّى ابن تومرت المرابطين بالمجسمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلا بتنزيه الله تعالى عما لا يجب وصفه بما يجب له، مع ترك خوضهم عما تقصر العقول عن فهمه ... إلى أن قال: فكفرهم ابن تومرت لجهلهم العرض والجوهر، وأن من لم يعرف ذلك لم يعرف المخلوق من الخالق وبأن من لم يهاجر إليه، ويقاتل معه، فإنه حلال الدم والحريم (¬3) ".
هذا إلى جانب ما رآه من الموحدين من سفكهم الدماء ويكفي أن قتلى لَبْلَة على أيديهم قدروا بثمانية آلاف من بينهم أعيان العلماء، وأنهم لم يكتفوا بذلك، بل باعوا نساءهم وأولادهم!
أما الأمر الثاني، وهو سبب موت عبد الحقّ فيبدو أنه إثر محنة نالته حقاً من الموحدين، على ما قرره ابن الزبير والأبار والذهبي وابن شاكر، فمن البعيد عن الموحدين، وقد قتلوا أعيان العلماء في لَبْلَة، أن يتركوا أبا محمد وقد تولى لأعدائهم الخطابة والقضاء، ولم يتولهما لهم، ولا ينافي هذا قول المراكشي "فأحنق ذلك عليه أبا يوسف يعقوب أمير المؤمنين، ورام سفك دمه، فعصمه الله منه وتوفاه حتف أنفه، وفوق فراشه" لأن فيه تقريراً أن أبا يوسف رام سفك دمه فعلاً، ولا يمنع أن يموت فوق فراشه بعد إيذائهم له ويبدو أن قول المراكشي "فعصمه الله منه" معناه عصمة من سفك دمه فقط، وليس معناه
¬__________
(¬1) انظر: (3/ 438) وما بعدها.
(¬2) سير أعلام النبلاء: (19/ 540).
(¬3) المصدر السابق: (19/ 550).

الصفحة 31