فسارَرْتُهُ فقلتُ: يا رسول الله! مالك عن فُلاَنٍ؟ فو الله! إني لأرَاهُ مؤمنًا. قال: "أو مسلمًا؟ " فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه فقلت يا رسول الله! مالك عن فلانٍ فوالله إني لأراه مؤمنا، قال: "أو مسلمًا" قال: "إني لأعطي الرجُلَ وغيرُهُ أحبُ إليَّ مِنْهُ خشيةَ أن يُكَبَّ (¬1) في النَّارِ على وجهِهِ". وعن أنس بن مالك (¬2)، أن نَاسًا من الَأنصار قالُوا، يومَ حُنَيْن، حين أفاءَ اللهُ على رسُولِهِ من أمْوالِ هَوَازِنَ ما أفَاءَ. فَطَفِقَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِي رجالًا من قريشٍ، المِائَةَ من الِإبل فقالوا: يَغْفِرُ الله لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي قريشًا ويَترُكُنَا وسُيُوفُنَا تقطُرُ من دمَائِهم.
قال أنس بن مالك: فحُدِّث ذلك رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من قولهم، فأرْسَلَ إلى الَأنصارِ فَجمعهم في قُبَّةِ من أدَمٍ، فلما اجتَمعُوا جَاءَهُمْ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما حديثٌ بلغني عَنْكُمْ؟ " فقال لَهُ فُقَهَاءُ الَأنْصَار: أمَّا ذَوُو رأينا، يا رَسُولَ الله! فلم يقُولُوا شيْئًا. وأمَّا أُنَاسٌ (¬3) حديثةٌ أسْنَانُهمْ، قالُوا: يغفرُ الله لِرَسوله. يعطي قريشًا ويترُكُنَا، وسيوفُنَا تقطر من دمائهم! فقال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنيَ أعْطِي رجالًا حديثى عهدٍ بكُفْرٍ. أتألَّفُهُم (¬4). أفلا ترضون أن يذهبَ الناس بالأموال. وترجعون إلى رحالكم برسول الله؟ فو الله! لَمَا تنقلبُونَ بهِ خيرٌ مما ينقلبُونَ بِهِ" فقالوا: بلى. يا رسُولَ اللهِ! قد رضينا. قال: "فإنكم سَتَجِدُونَ أُثْرَةً شديدةً فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله. فإنيِّ على الحوضِ" قالوا: سنصبِرُ.
وفي بعض طرق هذا الحديث (¬5)، عن عبد الله بن زيد، أن النبي
¬__________
(¬1) (ف): (يكبه).
(¬2) مسلم: (2/ 733 - 734) (12) كتاب الزكاة (46) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه - رقم (132).
(¬3) في مسلم: (وأما أناس منَّا حديثة).
(¬4) أتألفهم: أي أستميل قلوبهم بالإحسان ليثبتوا على الإِسلام.
(¬5) مسلم: نفس الكتاب والباب السابقين - رقم (139).