كتاب الأحكام الصغرى (اسم الجزء: 1)

باب في الإِيمان
مسلم (¬1)، عن يَحيىَ بن يَعمَرَ قال: كان أوَّل من قال في القَدَرِ (¬2) بالبَصرِة مَغبَد الجُهنَي، فانطلقت أنا وحُميد بن عبد الرحمن الحِمْيَرِي حَاجَّين أو مُعتمِرين فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألنَاه عمَّا يقُولُ هؤلاءِ في القَدر. فَوُفَق لنا (¬3) عبد الله بن عمر بن الخطاب داخِلاً المسجد. فاكتنفتُه أنا وصاحبي (¬4). أحدُنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننتُ أن صاحبي سَيَكلُ الكلامَ إليَّ. فقلتُ: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قِبَلَنا ناسٌ يقرؤن القرآن ويتقفرون العلمَ (¬5). وذكر من شأنِهم (¬6). وأنَّهم يزعُمُون ألاَّ قَدَرَ، وأنَّ الأمرَ أُنُفٌ (¬7).
فقال: إذا لقيتَ أولئكَ فأخبرهُم أنِّي بريء منهما، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو أن لِأحدِهم مثل أُحُدٍ ذهباً فأنفقهُ (¬8)، ما قَبِلَ الله منه حتى يُؤمن بالَقدر.
¬__________
(¬1) مسلم. (1/ 36) (1) كتاب الإيمان (1) باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان -رقم- (1).
(¬2) أول من قال با القدر: معناه أول من قال بنفسى القدر فابتدع خالف الصواب الذي عليه أهل الحق. ويقال القَدَر والقدْر، لغتان مشهورتان.
(¬3) فوفق لنا: معناه جعل وفقاً لنا، وهو من الموافقة التي هي كالإلتئام، يقال أتانا لتيفاق الهلال ميفاقه، أي حين أهلَّ، لا قبله ولا بعده، وهي لفظة تدل على صدق الإجماع في الإلتئام.
(¬4) فاكتنفته أنا، صاحبي: بعني صرنا في ناحيته،: وكنفا الطائر: جناحاه.
(¬5) ويتقفرون العلم: يطبونه ويتتبعونه وقيل معناه: يجمعونه.
(¬6) وذكر من شأنهم: هذا الكلام من كلام بعض الرواة الذين دون يحيى بن يعمر، يعني وذكر ابن يعمر من حال هؤلاء، ووصفهم بالفضيلة في العلم: الإجتهاد في تحصيله والإعتناء به.
(¬7) وأن الأمر أنف: أي مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه.
(¬8) (ب): فأنفقه في سبيل الله.

الصفحة 73