فأسَرَتْ ثقيفُ رجُلَيْنِ من أصْحَابِ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأسَرَ أصحابُ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - رجُلًا من بني عُقَيْلٍ، وأصابُوا مَعَهُ العَضْبَاءَ (¬1)، فأتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الوَثَاقِ، فقال: يا محمد! فأتاه فقال: "ما شأنك؟ " فقال: بِمَ أخَذْتَنِي؟ وبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الحاجِّ (¬2)؟ فقال (إعظامًا لذلك): "أخذتك بجرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثقِيفَ" ثمَّ انصرف عنه فنادَاهُ، فقال (¬3): يا محمد! يا محمد! وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا رَقِيقًا. فَرَجَعَ إليهِ فقال: "ما شأنُكَ؟ " قال: إنِّي مُسْلِمٌ فقال: "لو قُلْتَهَا وانتَ تمْلِكُ أمْركَ، أفْلَحْتَ كُلَّ الفَلاحِ" ثم انصرف فنادَاهُ فقال: يا محمد! يا محمد! فأتَاهُ فقال: "ما شأنُكَ؟ " قال: إنِّي جائِعٌ فأطعِمْنِى، وظمآنُ فاسقِنِي، قال: "هذه حاجَتُك" فَفُدِيَ بالرَّجلين.
قال: وأُسِرَت امرأةٌ من الأنصارِ، وأُصيبت العَضْبَاءُ، فكانت المرأة في الوثَاقِ، وكان القومُ يُريحُونَ نَعَمَهُم بين يدي بُيُوتِهِمْ، فانطلقت (¬4) ذاتَ ليلةٍ مِنَ الوثاق فأتت الإِبِلَ فجعلت إذا دَنَتْ من البعير رَغَا فَتَركَتْهُ حتى تنتهِي إلى العَضْبَاءِ، فلم ترغ وناقةٌ مُنَوَّقَةٌ (¬5)، فقعدتْ في عَجُزِهَا ثم زجرتها وانطلقت (¬6)، فنذروا بها، فطلبُوها فأعجزتْهُمْ، قال: ونَذَرَتْ لِلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ- (¬7) - إن نَّجاها اللهُ عليها لَتَنْحَرنَّهَا فلما قدمت المدينة رآها النَّاسُ فقالوا: العضباءُ، ناقةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إنَّهَا نذرت إن نجَّاها الله -عَزَّ وَجَلَّ- (7) عليها لتنحرنَّها، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا ذلك لَهُ، فقال: "سبحان اللهِ! بئسما جَزَتْهَا نَذَرَتْ لِلَّه إنْ نَّجاهَا اللهُ عليها لَتَنْحَرَنَّهَا، لا وفَاءَ لنذر في معصيةٍ ولا فيما لا يملِكُ العَبْدُ".
¬__________
(¬1) وهي ناقة نجيبة كانت لرجل من بني عقيل، ثم انتقلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(¬2) أراد بها العضباء، فإنها كانت لا تسبق.
(¬3) (فقال): ليست في (ف).
(¬4) مسلم: (فانفلتت).
(¬5) أي مذللة.
(¬6) مسلم: (فانطلقت) وكذا (د).
(¬7) (-عَزَّ وَجَلَّ-): ليست في مسلم.